السورة كلها مرّة واحدة ، إذ من المحتمل أن تكون هناك حوادث مختلفة في حياة المسلمين ، فتنزل سورة واحدة تختص كل مجموعة من آياتها ببعض تلك الحوادث.
التّفسير
اجتناب مجالس أهل الباطل :
بما أنّ المواضيع التي تتطرق إليها هذه السورة تتناول حال المشركين وعبدة الأصنام ، فهاتان الآيتان تبحثان موضوع آخر من المواضيع التي تتعلق بهم ، ففي البداية تقول للرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)(١).
على الرغم من أنّ الكلام هنا موجه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إلّا أنّه لا يقتصر عليه وحده ، بل هو موجه إلى المسلمين كافة ، إنّ فلسفة هذا الحكم واضحة ، إذ لو اشترك المسلمون في مجالسهم ، لاستمر المشركون في خوضهم في آيات الله بالباطل نكاية بالمسلمين واستهزاء بكلام الله ولكنّ المسلمين إذا مروا دون أن يبالوا بهم ، فسيكفّون عن ذلك ويغيرون الحديث إلى أمور أخرى ، لأنّهم كانوا يتقصدون إيذاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والمسلمين.
ثمّ تخاطب الآية رسول الله مؤكّدة أهمية الموضوع : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ(٢) بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي إذا أنساك الشيطان هذا الأمر وجلست مع هؤلاء القوم سهوا ، فعليك ـ حالما تنتبه ـ أن تنهض فورا وتترك مجالسة الظالمين.
__________________
(١) «الخوض» كما يقول الراغب الأصفهاني في «مفرداته» هو الدخول في الماء والمرور فيه ، ثمّ استعير للورود في أمور أخرى ، وأكثر ما ترد في القرآن بشأن الدخول في موضوع باطل ما أساس له.
(٢) غني عن القول بأن (لا تقعد) لا تعني النهي عن مجرّد الجلوس مع هؤلاء ، بل تعني النهي عن معاشرتهم في جميع حالات الجلوس والوقوف أو المسير.