ثمّ يأتي باستدلال آخر على المشركين ، فيقول : إذا عدنا إلى عبادة الأصنام ، بعد الهداية الإلهية نكون قد رجعنا القهقهري ، وهذا يناقض قانون التكامل الذي هو قانون حياتي عام : (وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ) (١).
ثمّ يضرب مثلا لتوضيح الأمر ، فيقول : إنّ الرجوع عن التوحيد إلى الشرك أشبه بالذي أغوته الشياطين (أو غيلان البوادي التي كان عرب الجاهلية يعتقدون أنّه تمكن في منعطفات الطرق وتغوي السابلة وتضلهم عن الطريق) فتاه عن مقصده وظل حيرانا في الباديّة : (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ) بينما له رفاق يرشدونه إلى الصراط السوي المستقيم وينادونه : هلم إلينا ، ولكنّه من الحيرة والتيه بحيث لا يسمع النداء ، أو إنّه غير قادر على اتخاذ القرار : (لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا) (٢).
وفي الختام يؤمر النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقول : إنّ الهداية من الله وليس لنا إلّا أن نسلم لأمر الله ربّ العالمين : (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ).
وهذا دليل آخر على رفض دين المشركين ، إذ التسليم لا يكون إلّا لخالق الكون ومالكه وربّ عالم الوجود ، لا الأصنام التي لا دور لها في إيجاد هذا العالم وإدارته.
سؤال :
يبرز هنا هذا السؤال : لم يكن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل البعثة من أتباع دين المشركين فكيف تقول الآية : (نُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) ونحن نعلم أنّه لم يسجد قط
__________________
(١) «أعقاب» جمع «عقب» وهو مؤخر الرجل ، ورجع على عقبه بمعنى انثنى راجعا ، وهو هنا كناية عن الانحراف عن الهدف ، وهو ما يطلق عليه اليوم اسم «الرجعية».
(٢) «استهوته» من «الهوى» وهو ميل النفس إلى الشهوة ، واستهوته بمعنى حملته على إتباع الهوى ، و «الحيرة» هي التردد في الأمر ، وفي الأصل : الجيئة والذهاب ، فالآية تشير إلى الذين يذهبون من الإيمان إلى الشرك مستلهمين تحركاتهم من الشيطان.