إنّ بيان هذا الاحتمال من قبل الله سبحانه وتعالى ، مع كونه ـ عزوجل ـ عالما بجميع ما سيحصل في المستقبل ، يدل على أنّ الآية تشير إلى الانتصارات العسكرية والاجتماعية والاقتصادية التي سيحرمها المسلمون في المستقبل.
وتشير الآية في الختام إلى مصير عمل المنافقين ، وتبيّن أنّه حين يتحقق الفتح للمسلمين المؤمنين وتنكشف حقيقة عمل المنافقين يقول المؤمنون ـ بدهشة ـ : هل أنّ هؤلاء المنافقين هم أولئك الذين كانوا يتشدقون بتلك الدعاوى ويجلفون بالايمان المغلظة بأنّهم معنا ، فكيف وصل الأمر بهم إلى هذا الحدّ؟ حيث تقول الآية : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ...)(١).
إنّ هؤلاء لنفاقهم هذا ذهبت أعمالهم أدراج الرياح ، لأنّها لم تكن نابعة من نيّة خالصة صادقة ، ولهذا فقد أصبحوا من الخاسرين ـ سواء في هذه الدنيا أو الآخرة معا ـ حيث تؤكّد الآية هذا الأمر بقولها : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ).
والجملة الأخيرة تشبه ـ في الحقيقة ـ جوابا لسؤال مقدر ، وكأن شخصا يسأل : ماذا سيكون مصير هؤلاء؟
فيجاب بأنّ أعمالهم أدراج الرياح ، وستطوقهم الخسارة من كل جانب ، أي أنّ هؤلاء ـ حتى لو كانت لهم أعمال صدرت عنهم بإخلاص ونية صادقة ـ فهم لا يحصلون على أي نتيجة حسنة من تلك الأعمال الصالحة لانحرافهم صوب النفاق والشّرك بعد ذلك : وقد شرحنا هذا الأمر في الجزء الثّاني من تفسيرنا هذا عند تفسير الآية (٢١٧) من سورة البقرة.
__________________
(١) في هذه الآية تكون كلمة «هؤلاء» مبتدأ وخبرها جملة «الذين أقسموا بالله» أمّا جملة «جهد إيمانهم» فهي مفعول مطلق.