إنّما المقصود هو أنّ موجودات هذا العالم لم تكن موجودة من قبل ، ثمّ وجدت ، وليس في هذا ما يصعب فهمه ، وقد ضربنا لذلك أمثلة في تفسير آية (١١٧) من سورة البقرة ، ونضيف هنا قائلين : إنّنا قادرون على أن نوجد في أذهاننا أشياء لم تكن فيها من قبل مطلقا ، ولا شك أنّ لهذه الموجودات الذهنية نوعا من الوجود والكينونة ، رغم أنّه ليس وجودا خارجيا ، ولكنّها موجودة في أفق أذهاننا ، وإذا كان وجود الشيء بعد العدم مستحيلا ، فما الفرق بين الوجود الذهني والوجود الخارجي؟
وبناء على ذلك فإنّنا كما نستطيع أن نخلق في أذهاننا كائنات لم يكن لهم وجود من قبل ، كذلك يفعل الله ذلك في العالم الخارجي ، انّ قليلا من التأمل في هذا المثال أو في الأمثلة التي ضربناها هناك كاف لحل هذه المسألة.
٤ ـ ما معنى «اللطيف»؟
«اللطيف» من مادة «لطف» وقد وردت هذه الصفة في الآيات السابقة كاحدى الصفات الالهية ، واللطيف (١) إذا وصف به الجسم دل على الخفيف المضاد للثقيل ، ويعبر باللطافة واللطف عن الحركة الخفيفة وعن تعاطي الأمور الدقيقة التي قد لا تدركها الحواس ، ويصح أن يكون وصف الله تعالى باللطف على هذا الوجه لمعرفته بدقائق الأمور ، ولخلقه أشياء دقيقة لطيفة غير مرئية ، وتتسم أفعاله بالدقة المتناهية الخارجة عن قدرة الإدراك.
يروي (الفتح بن يزيد الجرجاني) حديثا عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهماالسلام يعتبر معجزة علمية في هذا المجال يقول : قال الإمام عليهالسلام : «.. إنّما قلنا اللطيف ، للخلق اللطيف ولعلمه بالشيء اللطيف ، أو لا ترى ـ وفقك الله وثبتك ـ إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف ومن الخلق اللطيف ومن الحيوان
__________________
(١) أصول الكافي ، ج ١ ، ص ٩٣.