وإن كانت مشتملة على المسائل اللازمة ، إلّا أنّها أقل مستوى بكثير ـ من حيث السعة والأبعاد الأخلاقية ، والاجتماعية والعقيدية ـ من مفاد الآيات الحاضرة.
١٠ ـ كيف غيّرت هذه الآيات وجه المدينة المنورة؟
لقد وردت في بحار الأنوار ، وكذا في كتاب أعلام الورى قصّة جميلة تحكي عن تأثير هذه الآيات البالغ في نفوس المستمعين ، وها نحن ندرج هنا القصة المذكورة باختصار وفقا لما جاء في بحار الأنوار برواية علي بن إبراهيم.
قدم أسعد بن زرارة ، وذكوان بن عبد قيس مكّة في موسم من مواسم العرب وهما من الخزرج ، وكان بين الأوس والخزرج حرب قد بقوا فيها دهرا طويلا ، وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار ، وكان آخر حرب بينهم يوم بعاث ، وكانت الغلبة فيها للأوس على الخزرج ، فخرج أسعد بن زرارة وذكوان إلى مكّة يسألون الحلف على الأوس وكان أسعد بن زرارة صديقا لعتبة بن ربيعة فنزل عليه ، وقصّ عليه ما جاء من أجله فقال عتبة بن ربيعة في جواب أسعد : بعدت دارنا من داركم ، ولنا شغل لا نتفرغ لشيء ، قال أسعد : وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم؟ قال عتبة : خرج فينا رجل يدّعي أنّه رسول الله ، سفّه أحلامنا ، وسبّ آلهتنا ، وأفسد شبابنا ، وفرق جماعتنا.
فقال له أسعد : من هو منكم؟ قال : ابن عبد الله بن عبد المطلب ، من أوسطنا شرفا ، وأعظمنا بيتا.
فلمّا سمع أسعد وذكوان ذلك ، أخذا يفكّران فيه ، ووقع في قلبهما ما كانا يسمعانه من اليهود ، أنّ هذا أوان نبي يخرج بمكّة يكون مهاجره بالمدينة.
فقال أسعد : أين هو؟
قال عتبة : جالس في الحجر (حجر إسماعيل) وأنّهم (أي المسلمون) لا يخرجون من شعبهم إلّا في المواسم ، فلا تسمع منه ، ولا تكلّمه ، فإنّه ساحر يسحرك بكلامه ، وكان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب.