بحثان
إنّ هاهنا نقطتين يجب أن نقف عندهما ونلتفت إليهما :
١ ـ ربّما حملنا وزر غيرنا
قد يتوهمّ أنّ الآية الحاضرة التي تبيّن أصلين من الأصول المنطقية المسلّمة لدى جميع الأديان والشرائع (أي مبدأ : لا يعمل أحد إلّا لنفسه ، ولا يعاقب أحد بذنب غيره) تتنافى مع الآيات القرآنية الأخرى ، كما لا توافق جملة من الرّوايات في هذه المجال ، لأنّ الله تعالى يقول في سورة النحل الآية ٢٥ : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ ، وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ).
فإذا لم يحمل أحد وزر أحد فكيف يحمل هؤلاء المضلّون وزر الضالّين أيضا.
كما أنّ الأحاديث المرتبطة بـ «السنّة الحسنة» و «السنّة السيئة» المروية بطرق الشيعة والسنّة. تتنافى مع مفهوم الآية الحاضرة كقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من سنّ سنّة حسنة كان له أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سنّ سنّة سيئة كان عليه وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».
ولكن الإجابة على هذا السؤال واضحة ، فإنّ الآية المبحوثة هنا تقول : إنّه لا يحمل أحد وزر أحد من دون سبب ، ولكنّ الآيات والرّوايات المشار إليها سلفا تقول : إذا كان الإنسان مؤسّسا لعمل صالح أو سيءّ يعمل وفقه الآخرون ، أي كان له «التسبيب» والدلالة في قيام الآخرين بعمل معيّن ، وكانت له بالتالي دخالة في وقوعه ، فإنّه ـ ولا شك ـ يشترك معهم في نتائجه وعواقبه ، لأنّه يعتبر ـ في الحقيقة عمله وفعله ، فلا مناص من أن يتحمل تبعاته إنّ خيرا فخير ، وإن شرا فشرّ ، لأنّه هو الذي وضع بيده أساسه الذي قام عليه صرح العمل ، وارتفع بنيانه.