المساءلة لماذا؟
إنّ أوّل ما يطرح نفسه هنا هو : نحن نعلم أنّ الله سبحانه يعلم بكل شيء ، فهو الحاضر في كل زمان ومكان ، الناظر لكل شيء من نيّة أو عمل ، فما الحاجة إلى مساءلة الرسل والأمم عامّة وبدون استثناء؟!
الجواب على هذا السؤال واضح ، لأنّ السؤال لو كان للاستعلام والاستفهام ، وبهدف الوقوف على الحقيقة لم يصح أن يقع من العالم العارف.
وأمّا إذا كان المقصود منه هو إلفات الشخص إلى ما عمله ، أو إتمام الحجّة عليه ، أو ما أشبه ذلك ، لم يكن في ذلك بأس ولا ضير ، إذ يشبه ذلك تماما ما لو أسدينا إلى أحد خدمات كثيرة وقابلنا بالإساءة والخيانة ، وكان كل ذلك معلوما معروفا عندنا ، ومع ذلك فإننا نسائله ونقول : ألسنا قد أسدينا إليك كذا وكذا من الخدمة؟ فهل كان هذا جزاء الإحسان إليك؟؟
إنّ مثل هذه المساءلة ليست لاكتساب العلم ، واكتشاف الحقيقة المجهولة ، بل هي لتفهيم الطرف الآخر وإيقافه على الحقيقة ، أو أنّه لتثمين خدمة قام بها أحد المسؤولين وتشجيعه ، فنسأله : ماذا فعلت في هذه السفرة التي كلّفت فيها بمهمّة؟مع أنّنا نعرف من قبل بتفاصيل عمله.
التّوفيق بين آيات المساءلة في القرآن :
قد يظنّ أن الآيات المطروحة هنا على بساط البحث ، والتي تصرح بكل تأكيد بأن الله يسأل الجميع عمّا فعلوه وارتكبوه ، تنافي بعض الآيات القرآنية الأخرى في هذا الصعيد مثلما ما جاء في سورة الرحمان : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ ... يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ ...)(١).
وكذا الآيات الأخرى التي تنفي السؤال؟
__________________
(١) الرحمان ، ٣٩ و ٤١.