الدليل وهذه الفلسفة في موضوع آخر أن نجري الحكم فيه ونعدّيه إليه أيضا ، وهذا هو ما اصطلح عليه بالقياس «المنصوص العلّة» مثلا : إذا قال الطبيب للمريض : يجب أن تتجنب تناول الفاكهة الفلانية لأنّها حامضة ، علم المريض بأنّ الحموضة تضرّه ، وأنّه يجب أن يتجنب الحموضة وإن كان في فاكهة أخرى.
وهكذا إذا صرّح القرآن الكريم أو صرّحت السنّة الشريفة بأن : تجنّبوا الخمر لأنّه مسكر ، علمنا أنّ كل مسكر حرام (وإن لم يكن خمرا) ويجب اجتنابه.
إنّ هذا القياس ليس باطلا ولا ممنوعا ، لأنّه معلوم الدليل ومنصوص العلّة مقطوع بها والقياس الممنوع هو فيما إذا لم نعلم بدليل الحكم وفلسفته بصورة القطع ومن جميع الجهات.
على أن مبحث القياس مبحث واسع الأطراف ، وما مضى من البحث ما إلّا هو عصارة منه ، ولمزيد التوضيح والاطلاع راجعوا كتب أصول الفقه وكتب الأخبار ، باب القياس ، ونحن نختم البحث الحاضر بذكر حديث في هذا المجال.
جاء في كتاب «علل الشرائع» دخل أبو حنيفة على الإمام الصادق عليهالسلام فقال له : «يا أبا حنيفة ، بلغني أنّك تقيس؟ قال : نعم ، أنا أقيس. قال : لا تقس فإنّ أوّل من قاس إبليس حين قال : خلقتني من نار وخلقته من طين فقاس ما بين النّار والطين ، ولو قاس نورية آدم بنورية النّار عرف فضل من بين النّورين وصفاء أحدهما على الآخر» (١).
جواب على سؤال :
بقي هنا سؤال وهو : كيف كان يتحدث الشيطان مع الله ، فهل كان ينزل عليه الوحي؟
الجواب هو : أنّ كلام الله لا يكون بالوحي دائما ، فالوحي عبارة عن رسالة
__________________
(١) نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٦ ، وعلل الشرائع ، ص ٨٦.