ولقد نقل في حديث مروي عن الإمام الباقر عليهالسلام تفسير أعمق لهذه الجهات الأربع حيث قال : «ثمّ قال : لآتينّهم من بين أيديهم ، معناه أهوّن عليهم أمر الآخرة ، ومن خلفهم ، آمرهم بجمع الأموال والبخل بها عن الحقوق لتبقى لورثتهم. وعن أيمانهم ، أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة وتحسين الشبهة. وعن شمائلهم ، بتحبيب اللذّات إليهم وتغليب الشّهوات على قلوبهم» (١).
وفي آخر آية من الآيات المبحوثة هنا يصدر مرّة أخرى الأمر بخروج الشيطان من حريم القرب الإلهي والمقام الرفيع ، بفارق واحد هو أن الأمر بطرده هنا اتّخذ صورة أكثر ازدراء وتحقيرا ، وأشدّ عنفا ووقعا ، ولعلّ هذا كان لأجل العناد واللجاج الذي أبداه الشيطان بالإلحاح على الوسوسة للإنسان وإغوائه وإغرائه ، يعني أن موقفه الأثيم في البداية كان منحصرا في التمرد على أمر الله وعدم امتثاله ، ولهذا صدر الأمر بخروجه فقط ، ولكن عند ما أضاف معصية أكبر إلى معصيته بالعزم على إضلال الآخرين جاء الأمر المشدّد : (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً).
ثمّ حلف على أن يملأ جهنم منه ومن اتباعه (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ).
فلسفة خلق الشيطان وحكمة إمهاله :
في مثل هذه الأبحاث تتبادر إلى الأذهان ـ عادة أسئلة متنوعة ومختلفة أهمها سؤالان :
١ ـ لماذا خلق الله الشيطان ، مع أنّه علم بأنّه سيكون منشأ للكثير من الوساوس والضلالات؟
٢ ـ بعد أن ارتكب الشيطان مثل تلك المعصية الكبيرة ، لماذا قبل الله طلبه في
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٤ ، ص ٤٠٤.