بعينها ، فإنّ الرّوايات التي عبّرت عنها متنوعة ، فبعض هذه الرّوايات مسهب مطوّل ، وبعضها الآخر موجز مكثف ، وبعضها يتناول جانبا معينا من الحادثة ، ومن مجموع تلك الرّوايات ومن التّأريخ الإسلامي ومن ملاحظة القرائن والظروف المحيطة بوقوعها وبمكانها يتبيّن ما يلي :
أنّه في السنة الأخيرة من حياة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أدّى المسلمون مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حجّة الوداع في عظمة وجلال ، وكان لهذه الحجة أثر كبير في النفوس ، وبعد انتهائها أحاطت بالقلوب هالة من السموّ الروحي ، وتشرّبت في الأعماق لذّة هذه العبادة الكبرى.
وكانت الجموع الغفيرة (١) من المسلمين المشاركين في تلك الحجّة يكادون يطيرون فرحا لهذه السعادة الكبرى التي شرفهم الله بها.
لم يكن أهل المدينة وحدهم قد رافقوا النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذه الحجة ، بل التحق بركبه مسلمون توافدوا من سائر أنحاء الجزيرة العربية لينالوا شرف الصحبة في هذه الحجّة.
كانت الشمس ترسل أشعتها اللافحة المحرقة على الوديان والسهول لكن لذّة هذا السفر الروحي يسّرت كل شيء. اقترب وقت الظهيرة ، واقترب الركب الكبير من أرض الجحفة ، وظهرت من بعيد أرض «غدير خم» القاحلة الجافة المحرقة.
كانت المنطقة ، في الحقيقة تقع على مفترق طرق أربع حيث كان على الحجيج أن يتفرقوا إلى الوجهة التي يقصدونها فطريق يتجه إلى المدينة نحو الشمال ، وآخر يوصل إلى العراق شرقا ، وطريق الغرب يتجه إلى مصر ، وطريق الجنوب يصل إلى اليمن. هاهنا كان لا بدّ أن يتحقق أهم فصل من فصول هذه الرحلة وآخر ذكرياتها. وكان على المسلمين أن يتلقوا آخر تكليف لهم ، أو المرحلة النهائية من المهمات الناجحة التي اضطلع بها رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، قبل أن
__________________
(١) قيل أنّ عددهم ٩٠ ألفا ، وقيل ١٢٠ ألفا ، وقيل ١٢٤ ألفا.