يتفرقوا إلى حال سبيلهم.
كان يوم الخميس من السنة العاشرة للهجرة ، وقد مضت ثمانية أيّام على عيد الأضحى ، وإذا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يصدّر أمره للحجيج بالتوقف ، فراح المسلمون يتنادون الذين في مقدمة الركب أن يعودوا ، وانتظروا حتى يلتحق بهم من كان في المؤخرة أيضا. كان الشمس قد تخطت نقطة الزوال ، وصعد مؤذن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ينادي في الناس لصلاة الظهر ، وأخذ الناس يستعدون ـ مسرعين ـ لأداء الصّلاة. كانت الرياح لافحة محرقة ، حتى اضطر بعضهم إلى أن يضع قسما من عباءته تحت قدميه وقسما منها فوق رأسه كي يتقي حرارة الحصى وأشعة الشمس.
ما كان في تلك الصحراء ما يستظل به ، ولا ما تستريح إليه العين من خضرة الأعشاب ، اللهم إلّا بضع شجيرات عجاف عارية تصارع حرارة الجو صراعا مريرا.
كان جمع قد لجأ إلى هذه الشجيرات ونشر رداءه عليها ليستظل به رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ، إلّا أنّ الرياح الساخنة كانت تعصف بتلك المظلة فتنشر تحتها حرارة الشمس الحارقة.
انتهت صلاة الظهر. وهرع الحجيج يريدون نصب خيامهم الصغيرة التي كانوا يحملونها معهم يلوذون بها من حر الهاجرة. إلّا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبرهم أنّ عليهم أن يستعدوا لسماع رسالة إلهية ، جديدة في خطبته ، وكان الذين يقفون على مسافة من رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم لا يستطيعون رؤيته ، لذلك صنعوا له منبرا من أحداج الإبل ارتقاه رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : «الحمد لله ونستعينه ونؤمن به ، ونتول عليه ، ونعوذ به من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضلّ ، ولا مضلّ لمن هدى ، وأشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله.
أمّا بعد : أيّها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمر نبيّ إلّا مثل نصف عمر