وتخنص الفاء بعطف ما لا يصلح كونه صلة على ما هو صلة كقولك الذي يطير فيغضب زيد الذباب فلو جعلت موضع الفاء واوا أو غيرها فقلت الذي يطير ويغضب زيد ، أو ثم يغضب زيد الذباب لم تجز المسألة لأن يغضب زيد جملة لا عائد فيها على الذي فلا يصلح أن يعطف على الصلة لأن شرط ما يعطف على الصلة أن يصلح وقوعه صلة فإن كان العطف بالفاء لم يشترط دلك لأنها تجعل ما بعدها مع ما قبلها في حكم جملة واحدة لإشعارها بالسببية كأنك قلت : الذي ان يطر يغضب زيد الذباب وقد يعطف بالفاء متراخيا كقوله تعالى : «وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى» إما لتقدير متصل قبله وإما لحمل الفاء على ثم.
الفاء الفصيحة :
وقد تحذف الفاء مع المعطوف بها إذا أمن اللبس وكذلك الواو فمن حذف الفاء قوله تعالى : «فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ» التقدير فامتثلتم فتاب عليكم وقوله تعالى : «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» معناه فأفطر فعليه عدة وهذه العاطفة على الجواب المحذوف يسميها أرباب المعاني «الفاء الفصيحة» قال صاحب الكشاف في قوله تعالى :«وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ» تقديره فعملا به وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة وقالا الحمد لله.
وقال صاحب المفتاح : «هو إخبار عما صنع بهما وعما قالاه كأنه قيل : نحن فعلنا الإيتاء وهما فعلا الحمد وهذا الباب كثير في القرآن وهو من جملة فصاحته ولهذا أسماها أرباب المعاني الفاء الفصيحة.