التّفسير
دروس مفيدة من ساحة المعركة :
إنّ هذه الآيات تتحدث عن اللحظات الحساسة من واقعة بدر ، والألطاف الإلهية الكثيرة التي شملت المسلمين لتثير في نفوسهم الإحساس بالطاعة والشكر ، ولتعبيد الدرب نحو انتصارات المستقبل.
وتشير ابتداء لإمداد الملائكة فتقول : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ).
جاء في بعض الرّوايات أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يستغيث ويدعو ربّه مع بقية المسلمين ، وقد رفع يديه نحو السماء قائلا : «اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إنّ تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض) (١).
وعند ذلك (فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ).
وكلمة (مردفين) من (الإرداف) بمعنى اتّخاذ محل خلف الشيء فيكون مفهومها أنّ الملائكة كانت تتابع بعضها بعضا في النّزول لنصرة المسلمين.
واحتمل معنى آخر في الآية ، وهو أنّ مجموعة الألف من الملائكة كانت تتبعها مجموعات أخرى ، ليتطابق هذا المعنى والآية (١٢٤) من سورة آل عمران ، والتي تقول عن لسان النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ).
إلّا أنّ الظاهر أنّ عدد الملائكة في بدر هو الألف ، وكلمة مردفين صفة هذا الألف. وآية سورة آل عمران كانت وعدا للمسلمين في أنزال ملائكة أكثر لنصرة المسلمين إذا ما اقتضى الأمر.
ولئلا يعتقد بعض بأنّ النصر كان بيد الملائكة فحسب ، فإنّ الآية تقول : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ
__________________
(١) مجمع البيان ، ذيل الآية.