فبناء على هذه فإنّ قريشا والمشركين وعبدة الأصنام في مكّة ، الذين أنكروا آيات الله وتعنتوا بوجه الحق وحاربوا قادة الإنسانية ، ليسوا وحدهم الذين نالوا جزاء ما اقترفوه ، بل أنّ ذلك قانون دائم ، وسنة إلهية تشمل من هم أقوى منهم ـ كآل فرعون ـ كما تشمل الشعوب الضعيفة كذلك ، ثمّ توضح الآية التالية أصل هذا الموضوع فتقول : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ).
وبعبارة أخرى : إنّ الرحمة الرّبانيّة عامّة تسع جميع الخلق ، لكنّها تبلغ الناس وتصل إليهم بما يناسب كفاءتهم وشأنهم ، فإنّ الله سبحانه يغدق مبتدئا بنعمه الماديّة والمعنويّة على جميع الأمم ، فإذا استفادوا من تلك النعم في السير نحو الكمال والاستمداد منها في سبيل الحق تعالى والشكر على نعمائه ، بالإفادة منها إفادة صحيحة ، فإنّ الله سبحانه سيثبّت نعماءه ويزيدها. أمّا إذا استغلت تلك المواهب في سبيل الطغيان والانحراف والعنصرية ، وكفران النعمة والغرور والفساد ، فإنّ الله سيسلبهم تلك النعم أو يبدلها إلى بلاء ومصيبة ، بناء على ذلك فإنّ التغيير يكون من قبلنا دائما ، وإلّا فإنّ النعماء الإلهية لا تزول! ... وتعقيبا على هذا الهدف يعود القرآن ليشير إلى حال الطغاة ـ كفرعون وأقوام آخرين ـ فيقول : (دَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) ظلموا أنفسهم وظلموا سواهم أيضا.
الجواب على سؤال :
قد يرد هنا سؤال وهو : لم تكررت عبارة (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) في الآي بفاصلة قليلة مرّتين ، ومع اختلاف يسير في التعبير؟!
وللإجابة على هذا التساؤل ينبغي الالتفات إلى لطيفة ، وهي أنّه بالرغم من