المجال للتفكير حتى يبيّن له محتوى دعوتك في كمال الإرادة والحرية ، فإذا أشرقت أنوار الهداية في قلوبهم فسيؤمنون بدعوتك.
ثمّ تضيف الآية قائلة : (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) وأوصله إلى مكان آمن حتى لا يعترضه أحد في طريقه.
وأخيرا فإنّ الآية تبين علة هذا الحكم ، فتقول : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ).
فبناء على ذلك لو فتحت أبواب اكتساب المعرفة بوجوههم ، فإنّه يؤمّل فيهم خروجهم من الوثنية التي هي وليدة الجهل ـ والتحاقهم بركب التوحيد الذي هو وليد العلم والمعرفة.
وقد ورد في كتب السنة والشيعة أنّ أحد المشركين (عبدة الأصنام) سأل عليّا عليهالسلام بعد إلغاء المعاهدة فقال : يا ابن أبي طالب ، لو أراد أحد أن يواجه النّبي بعد هذه المدّة «الأشهر الأربعة» ويسأله أو يسمع كلام الله منه ، أهو آمن؟!
فقال علي عليهالسلام : أجل ، إنّ الله يقول : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) (١).
وهكذا تتوازن وتتساوى كفتا الشدّة المستفادة من الآية الأولى ـ محل البحث ـ واللين المستفاد من الآية التي تليها ، فإنّ سبيل التربية قائم على الشدة المشفوعة باللين ، ليكون منهما الدواء الناجع.
ملاحظات
* * *
١ ـ ما المراد من الأشهر الحرم؟
بالرّغم من أنّ المفسّرين قد بحثوا كثيرا في هذا الشأن ، إلّا أنّه ـ مع ملاحظة ما جاء في الآيات المتقدمة ـ يظهر أنّ المراد منها هي أربعة الأشهر التي كانت مدّة
__________________
(١) تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ١٠٦ وتفسير الفخر الرازي ، ص ٢٢٦.