فيقول تعالى أولا : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ).
ثمّ يقول : إنّ هذه الرياح التي تهب من المحيطات تحمل معها سحبا ثقيلة مشبّعة بالماء (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً).
ثمّ يسوق تلك السحب إلى الأراضي الظامئة اليابسة ، ويكلفها بأن تروي تلك العطاشي (سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ).
وبذلك ينهمر ماء الحياة في كل مكان (فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ). وبمعونة هذا الماء نخرج للبشر أنواعا متنوعة من الثمار والفواكة (فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ).
نعم ، إنّ الشمس تسطع على المحيطات والبحار ، فيتبخر الماء ويتصاعد البخار إلى الأعلى ، وهناك في الطبقات العالية الباردة من الجو يتراكم البخار ويشكل كتلا ثقيلة من السحب ، ثمّ تحمل الرياح كتل السحاب العظيمة على ظهرها ، وتتوجه إلى الأراضي التي كلفت بسقيها ، فتجري بعض هذه الرياح قدام كتل السحاب ، وتكون مزيجة بشيء. من الرطوبة الخفيفة ، فتحدث نسيما مريحا تستشم منه رائحة المطر اللذيذة الباعثة للحياة والنشاط.
إنّها ـ في الحقيقة ـ المبشرات بنزول المطر ، ثمّ ترسل كتل الغيم العظيمة حبات المطر من بين ثناياها ، لكنّها ليست بالكبيرة جدّا فتتلف الزروع والأراضي ، ولا بالصغيرة جدّا فتضيع في الفضاء ولا تصل إلى الأرض ، ثمّ تحط هذه الحبات على الأرض برفق وهدوء ، وتنفذ في ترابها شيئا فشيئا ، فتنبت البذور والحبات. وتبدل الأرض المحترقة بالجفاف ، والتي كانت أشبه شيء بمقبرة مظلمة وساكنة وهامدة ، إلى مركز فعّال نابض بالحياة والحركة ، وتنشأ الجنائن الخضراء الغنية بالأزاهير والثمار.
ثمّ عقيب ذلك يضيف فورا (كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى) ونلبسهم حلّة الوجود والحياة مرّة أخرى.
ولقد أتينا بهذا المثال لأجل أن نريكم أنموذجا من المعاد في هذه الدنيا ،