واقعا واليهود يطيعون أحبارهم دون قيد أو شرط ، لذا فإنّ الآية أشارت إلى عبادة كل منهما، فقالت : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ).
ثمّ فصلت المسيح على حدة فقالت : (وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ).
وهذا التعبير يدلّ على منتهى الدقة في القرآن.
وفي ختام الآية تأكيد على هذه المسألة ، وهي أن جميع هذه العبادات للبشر بدعة ، وهي من العبادات الموضوعة (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
درس تعليمي :
إنّ القرآن المجيد يعلّم أتباعه في الآية ـ محل البحث ـ درسا قيّما جدّا ، ويبيّن واحدا من أبرز مفاهيم التوحيد فيها ، إذ يقول : لا يحقّ لأيّ مسلم طاعة إنسان آخر دون قيد أو شرط ، لأنّ هذا الأمر مساو لعبادته ، وجميع الطاعات يحب أن تكون في إطار طاعة الله ، وإنّما يصح اتباع الإنسان نظيره متى كانت قوانينه غير مخالفة لقوانين الله ، أيّا كان ذلك الإنسان وفي أية مكانة أو منزلة. لأنّ الطاعة بلا قيد أو شرط مساوية للعبادة ، أو هي شكل من أشكال الشرك والعبودية ، إلّا أنّه يا للأسف ـ بلي المسلمون ـ لبعد المسافة الزمنية ـ بالابتعاد عن تعاليم هذا الدستور الإسلامي المهم ، وإقامه الأصنام البشرية ، فتفرقوا وتغلب عليهم المستعمرون والمستثمرون ، وإذا لم تتكسر هذه الأصنام البشرية فلا ينبغي أن ننتظر زوال هذه البلايا وسدّ الثغرات.
وأساسا فإنّ هذا النوع من الشرك أو العبادة الوثنية أخطر بكثير من عبادة الأصنام والأحجار في زمان الجاهلية ، والسجود لها ، لأنّ تلك الأصنام والأحجار ليس فيها روح حتى تستعمر عبدتها ، إلّا أنّ الأصنام البشرية وبسبب غرورهم وعدوانهم يجرّون أتباعهم إلى الوبال والذلة والشقاء والانحطاط.