التّفسير
لا تصغوا إلى أعذارهم وأيمانهم الكاذبة :
تستمر هذه السلسلة من الآيات في الحديث عن الأعمال الشيطانية للمنافقين ، وتزيح الستار عنها الواحد تلو الآخر ، وتحذر المسلمين من الانخداع بريائهم أو الوقوع تحت تأثير كلماتهم المعسولة.
الآية الأولى تبيّن للمسلمين أن هؤلاء إذا علموا بقدومكم فسيأتون (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ). إن التعبير ب (يعتذرون) بصيغة المضارع ، يظهر منه أن الله تعالى قد أطلع النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من قبل على كذب المنافقين ، وأنّهم سيأتونهم ليعتذروا إليهم ، ولذلك فإنّه تعالى علمهم كيفية جواب هؤلاء إذا قدموا إليهم ليعتذروا منهم.
ثمّ يتوجه الخطاب إلى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ باعتباره قائد المسلمين ـ بأن يواجه المنافقين (قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ) لأنّا على علم بأهدافكم الشيطانية وما تضمرون وما تعلنون ، إذ (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ). إلّا أنّه في الوقت نفسه سيبقى باب التوبة والرجوع إلى الصواب مفتوحا أمامكم (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ).
واحتمل البعض في تفسير هذه الآية أنّ التوبة ليست هي المقصودة من هذه الجملة ، بل المقصود أن الله ورسوله سيطلعان على أعمالكم ويريانها في المستقبل كما رأياها الآن ، وسيحبطان كل مؤامراتكم ، وعلى هذا فلا يمكن أن تصنعوا شيئا ، لا اليوم ولا غدا ، ولنا بحث مفصّل حول هذه الجملة ، ومسألة عرض أعمال الأمة على نبيّها صلىاللهعليهوآلهوسلم سيأتي في ذيل الآية (١٠٥) من هذه السورة.
ثمّ قالت الآية : إنّ كل أعمالكم ونياتكم ستثبت اليوم في كتبكم (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
وفي الآية التالية إشارة أخرى إلى أيمان المنافقين الكاذبين ، وتنبيه للمسلمين على أنّ هؤلاء سيتوسلون باليمين الكاذبة لتغفروا لهم خطيئاتهم وتصفحوا عنهم