٢ ـ الأعراب من سكان المدن
إنّ كلمة (الأعرابي) وإن كانت تعني ساكن البادية ، إلّا أنّها استعملت بمعنى أوسع في الأخبار والرّوايات الإسلامية ، وبتعبير آخر : فإنّ مفهومها الإسلامي لا يرتبط أو يتحدد بالمنطقة الجغرافية التي يشغلها الأعراب ، بل تعبر عن منهجية في التفكير ، فإنّ من كان في منأى عن الآداب والسنن والتربية الإسلامية فهو من الاعراب وإن كان سكان المدن ، أمّا سكّان البادية الملتزمون بالآداب والسنن الإسلامية فليسوا بأعراب.
الحديث المشهور المنقول عن الإمام الصادق عليهالسلام : «من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي» (١) دليل قوي وشاهد واضح على الكلام أعلاه.
وفي خبر آخر نقرأ : «من الكفر التعرب بعد الهجرة».
ونقل أيضا عن علي عليهالسلام في نهج البلاغة أنّه خاطب جماعة من أصحابه العاصين لأمره فقال : «واعلموه أنّكم صرتم بعد الهجرة أعرابا» (٢)
في الحديثين أعلاه جعل «التعرب» مقابل «الهجرة» ، وإذا لا حظنا أنّ للهجرة أيضا مفهوما واسعا لا يتحدد بالجانب المكاني ، بل إنّ أساسها انتقال الفكر من محور الكفر إلى محور الإيمان ، اتّضح معنى كون الفرد أعرابيا ، أي أنّه يعني الرجوع عن الآداب والسنن الإسلامية إلى الآداب والعادات الجاهلية.
٣ ـ نطالع في الآية المذكورة أعلاه الواردة في حق المؤمنين من الأعراب ، أنّ هؤلاء يعتبرون إنفاقهم أساس القرب من الله تعالى ، خاصّة وأنّ هذه الكلمة قد وردت بصيغة الجمع (قربات) ، وهي توحي أنّ هؤلاء لا يبتغون من إنفاقهم قربة واحدة ، بل قربات.
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٢ ، ص ٢٥٤.
(٢) نهج البلاغة ، الخطبة القاصعة ، ص ١٩٢.