الثّالث : الذين جاؤوا بعد هذين القسمين واتبعوا خطواتهم ومناهجهم ، وقبولهم الإسلام والهجرة ، ونصرتهم للدين الإسلامي ، فإنّهم ارتبطوا بهؤلاء السابقين : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) (١).
ممّا قلناه يتبيّن أنّ المقصود من «بإحسان» في الحقيقة هو بيان الأعمال والمعتقدات لهؤلاء السابقين إلى الإسلام التي ينبغي اتباعها ، وبتعبير آخر فإنّ (إحسان) وصف لبرامجهم التي تتّبع.
وقد احتمل أيضا في معنى الآية أنّ (إحسان) بيان لكيفية المتابعة ، أي أن هؤلاء يتبعونهم بالصورة اللائقة والمناسبة. ففي الصورة الأولى الباء في (بإحسان) بمعنى (في) ، وفي الصورة الثّانية بمعنى (مع). إلّا أنّ ظاهر الآية مطابق للتفسير الأوّل.
وبعد ذكر هذه الأقسام الثّلاثة قالت الآية : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).
إن رضى الله سبحانه وتعالى عن هؤلاء هو نتيجة لإيمانهم وأعمالهم الصالحة التي عملوها ، ورضاهم عن الله لما أعد لهم من الجزاء والعطايا المختلفة التي لا تدركها عقول البشر. وبتعبير آخر ، فإنّ هؤلاء قد نفذوا كل ما أراده الله منهم ، وفي المقابل أعطاهم الله كل ما أرادوا ، وعلى هذا فكما أنّ الله سبحانه راض عنهم ، فإنّهم راضون عن الله تعالى.
ومع أنّ الجملة السابقة قد تضمنت كل المواهب والنعم الإلهية ، المادية منها والمعنوية ، الجسمية والروحية ، لكن الآية أضافت من باب التأكيد ، وبيان التفصيل بعد الإجمال:(وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ) ومن امتيازات هذه النعمة أنّها خالدة ، وسيبقى هؤلاء (خالِدِينَ فِيها) وإذا نظرنا إلى مجموع هذه المواهب المادية والمعنوية أيقنا أن (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
__________________
(١) لقد عدّ الكثير من المفسّرين (من) الواردة في جملة (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) تبعيضية ، وظاهر الآية أيضا كذلك ، لأن حديث الآية عن طلائع الإسلام والسابقين إليه ، لا عن جميع المسلمين. أمّا الباقون فإنّهم يدخلون في مفهوم الجملة التالية ، أي : (التابعون).