٢ ـ النفي لا يكفي لوحده!
الدرس الثّاني الذي يمكن أخذه من هذه الآيات ، هو أنّ الله سبحانه وتعالى أمر نبيّهصلىاللهعليهوآلهوسلم في هذه الآيات أن لا يصلي في مسجد الضرار ، بل يصلي في المسجد التي وضعت قواعده وأسسه على أساس التقوى.
إنّ النفي والإثبات يتجلى في الإسلام من شعاره الأصلي (لا إله إلّا الله) إلى أموره الصغيرة والكبيرة الأخرى ، يبيّن هذه الحقيقة ، وهي ضرورة وجود الإثبات إلى جانب النفي دائما على أرض الواقع العملي ، فإنّا إذا نهينا الناس عن الذهاب إلى مراكز الفساد ، فيجب أن نبني ونوفر لهم المقابل المراكز النقية الصالحة لإشباع روح الحياة الجماعية في الفرد وإرضائها ... إذا منعنا وسائل اللهو المنحرفة ، فيجب توفير وسائل لهو سالمة وهادفة ... إذا حاربنا الثقافة الاستعمارية ، فيجب أن تهيئ الثقافة الصحيحة والمراكز السليمة والمدارس الصالحة للتربية والتعليم ... إذا شجبنا الانحلال الخلقي والسقوط الاجتماعي ، فيجب أن نوفر وسائل الزواج البسيطة ونضعها تحت تصرف الشباب.
الأشخاص الذين صبّوا كل اهتماماتهم في جانب النفي ، دون الاهتمام بالجانب الإيجابي والإثباتي ، عليهم أن يتيقنوا بأن نفيهم لوحده لا يثمر شيئا ، لأنّ سنّة الحياة أن تشبع كل الغرائز والأحاسيس عن الطريق الصحيح ، ولأنّ قانون الإسلام المسلّم به أن كل (لا) يجب أن تصحبها (إلا) ليتولد منها التوحيد الذي يهب الحياة.
وهذا هو الدرس الذي نساه الكثير من المسلمين مع الأسف رغم تقصيرهم هذا يشكون من عدم تقدم وتطور البرامج الإسلامية! هذا في الوقت الذي لا ينحصر برنامج الإسلام بالنفي كما يتخيل هؤلاء ، فإنهم إذا قرنوا النفي بالإثبات فإنّ تقدمهم سيكون حتميا.