إنّ الفخر الرازي إذا حرر نفسه من قيود التعصب ، سيلتفت إلى عدم إمكان أن يستغفر النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لفرد مشرك طوال هذه المدّة ، في الوقت الذي كانت آيات كثيرة من القرآن الكريم قد نزلت إلى ذلك الزمان تدين وتشجب أي نوع من مودة المشركين ومحبتهم(١).
ثالثا : إنّ الشخص الوحيد الذي روى هذه الرّواية هو «سعيد بن المسيب» ، وبعضه وعداؤه لأمير المؤمنين علي عليهالسلام أشهر من نار على علم ، وعلى هذا لا يمكن الاعتماد على روايته في شأن علي عليهالسلام أو أبيه أو أبنائه مطلقا.
لقد نقل «العلّامة الأميني قدس سرّه» ـ بعد أن أشار إلى الموضوع أعلاه ـ كلاما عن «الواقدي» يستحق التوقف عنده ، حيث يقول : إن سعيد بن المسيب مر بجنازة الإمام السجاد علي بن الحسين عليهالسلام ولم يصل عليها ، واعتذر بعذر واه ، إلّا أنّه على قول ابن حزم ـ لما سئل : أتصلي خلف الحجاج أم لا؟ قال : نحن نصلّي خلف من هو أسوأ من الحجاج!
رابعا : كما قلنا في الجزء الخامس من هذا التّفسير ، فإنّ ممّا لا شك فيه أنّ أبا طالب قد آمن بالنّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبيّنا الأدلة الواضحة على ذلك ، وأثبتنا بأنّ ما قيل في عدم إيمان أبي طالب هو تهمة كبيرة. وقد صرّح بذلك كل علماء الشيعة ، وجماعة من علماء السنة كابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة) والقسطلاني في (إرشاد الساري) وزيني دحلان في (حاشية السيرة الحلبية).
وقلنا أن المحقق المدقق إذا لا حظ المد السياسي المغرض الذي تزعمه حكام بني أمية ضد علي عليهالسلام ، استطاع أن يقدر بأن كل من ارتبط بأمير المؤمنين عليه
__________________
(١) لقد ورد النهي عن محبّة وموالاة الكافرين صريحا في الآية (١٣٩) من سورة النساء ، والتي نزلت قبل سورة التوبة مسلما ، وكذلك في الآية (٣٨) من سورة آل عمران ، وهي كذلك نزلت قبل سورة براءة ، وفي هذه السورة قال الله سبحانه لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في الآيات التي سبقت هذه الآية : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ).