التالي (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً) فإذا عملنا بهذه الأصول فإنّ الله سبحانه يهبنا حياة سعيدة إلى نهاية العمر ، وفوق كل ذلك فإنّ كلا يعطى بمقدار عمله ولا يهمل التفاوت والتفاضل بين الناس في كيفية العمل بهذه الأصول ... (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) وأمّا في صورة المخالفة والعناد فتقول الآية : (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) حين تمثلون للوقوف في محكمة العدل الإلهي.
واعلموا أنّ (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) كائنا من كنتم ، وفي أي محل ومقام أنتم ، وهذه الجملة تشير إلى الأصل الخامس من الأصول التفصيليّة للقرآن وهي مسألة «المعاد والبعث» ولكن لا تتصوروا ـ أبدا ـ أن قدرتكم تعدّ شيئا تجاه قدرة الله ، أو أنّكم تستطيعون الفرار من أمره ومحكمة عدله .. ولا تتصوروا ـ أيضا ـ أنّه لا يستطيع أن يجمع عظامكم النخرة بعد الموت ويكسوها ثوبا جديدا من الحياة .. (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
علاقة الدين بالدنيا :
ما يزال الكثير يظنون أن التدين هو العمل لعمارة الآخرة والسعادة بعد الموت ، وأنّ الأعمال الصالحة هي الزاد والمتاع للدار الآخرة .. ولا يكترثون أبدا بأثر الدين الأصيل في الحياة الدنيا على حين أن الدين الصحيح في الوقت الذي يعمر الدار الآخرة يعمر «الدنيا» أيضا .. وطبيعي إذا لم يكن للدين أي تأثير على هذه الحياة الدنيا فلا تأثير له في الحياة الأخرى أيضا.
والقرآن الكريم يتعرض لهذا الموضوع بصراحة في آيات كثيرة ، وربّما يتناول أحيانا الجزئيات من هذه المسائل ، كما ورد في سورة نوح عليهالسلام على لسان هذا النّبي العظيم مخاطبا قومه (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) (١).
__________________
(١) سورة نوح ، ٩ ـ ١١.