ترسم النقاط الأساسية لتأريخه المثير ..
ولا شك أنّ قصّة جهاد نوح عليهالسلام المتواصل للمستكبرين في عصره ، وعاقبتهم الوخيمة ، واحدة من العبر العظيمة في تاريخ البشرية ، والتي تتضمن دروسا هامّة في كل واقعة منها ..
والآيات المتقدمة تبيّن بداية هذه الدعوة العظيمة فتقول : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ).
التأكيد على مسألة الإنذار ، مع أنّ الأنبياء كانوا منذرين ومبشرين في الوقت ذاته لأنّ الثورة ينبغي أن تبدا ضرباتها بالإنذار وإعلام الخطر ، لأنّه أشدّ تأثيرا في إيقاظ النائمين والغافلين من البشارة.
والإنسان عادة إذا لم يشعر بالخطر المحدق به فإنّه يفضل السكون على الحركة وتغيير المواقع. ولذلك فقد كان إنذار الأنبياء وتحذيرهم بمثابة السياط على أفكار الضاليّن ونفوسهم، فتؤثر فيمن له القابلية والاستعداد للهداية على التحرك والاتجاه الى الحق.
ولهذا السبب ورد الاعتماد على الإنذار في آيات كثيرة من القرآن ، كما في الآية (٤٩) من سورة الحج ، والآية (١١٥) من سورة الشعراء ، والآية (٥٠) من سورة العنكبوت، والآية (٤٢) من سورة فاطر ، والآية (٧٠) من سورة ص ، والآية (٩) من سورة الأحقاف ، والآية (٥٠) من سورة الذاريات ، وآيات أخرى كلها تعتمد على كلمة «نذير» في بيان دعوة الأنبياء لأممهم.
وفي الآية الأخرى يلخّص محتوى رسالته في جملة واحدة ويقول : رسالتي هي (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) ثمّ يعقب دون فاصلة بالإنذار والتحذير مرّة أخرى (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) (١).
__________________
(١) مع أنّ الأليم صفة للعذاب عادة ، ولكن في الآية السابقة وقع صفة ل «يوم» ، وهذا نوع من الإسناد المجازي اللطيف الذي نجده في مختلف اللغات في أدبياتها.