المؤمنين فإنّه كان يستحق العقاب ، ولأنّه لم يكن مع الكافرين فإنّه كان يستحق أن يتوجه إليه التبليغ واللطف والمحبّة بصورة أكثر .. أضف إلى ذلك أن ابتعاده عن الكفار وكونه في معزل ، كان يقوي أمل نوح في أن يندم ولده على الابتعاد عنه.
وهناك احتمال آخر ، وهو أنّ ابن نوح لم يكن يخالف أباه بصراحة ، بل كان منافقا وكان يوافق أباه في الظاهر أحيانا ، فلذلك طلب نوح من ربّه له النجاة.
وعلى كل حال فإنّ الآية السابقة لا تنافي مضامين الآيات الأخرى التي تشير إلى انسداد أبواب التوبة حال نزول العذاب.
٣ ـ دروس تربوية من طوفان نوح :
إنّ هدف القرآن الأصلي من ذكر قصص الماضين بيان دروس وعبر ومسائل تربوية ، وفي هذا القسم من قصّة نوح مسائل مهمّة جدّا نشير إلى قسم منها :
أ ـ تطهير وجه الأرض :
صحيح أنّ الله رحيم ودود ، ولكن لا ينبغي أن ننسى أنّه حكيم أيضا ، فبمقتضى حكمته أنّه عند ما لا تؤثر دعوة الناصحين والمربيّن الإلهيين في قوم فاسدين ، فلا حق لهم بعد ذلك في الحياة وسينتهون نتيجة للثورات الاجتماعية أو الطبيعية وتحت وطأة التنظيم الحياتي.
وهذا الأمر غير منحصر في قوم نوح ولا بزمان معين ، إنما هو سنة الله في خلقه وعبادة في جميع العصور والأزمان حتى في عصرنا الحاضر ، وأي إشكال في أن تكون كل من الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثّانية صورة من صور «تطهير الأرض».