جميع الوسائل الممكنة لإيقاظ روح الحق في قومه الظالين فبيّن أن هذا الأجر المادي مشروط بالايمان فيقول : (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) فإذا فعلتم ذلك فإنّه (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (١) لئلا تصاب مزارعكم بقلة الماء أو القحط ، بل تظل خضراء مثمرة دائما ، وزيادة على ذلك فإنّ الله بسبب تقواكم وابتعادكم عن الذنوب والتوجه إليه يرعاكم (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ).
فلا تتصوروا أنّ الإيمان والتقوى يضعفان من قوتكم أبدا ، بل إنّ قواكم الجسميّة ستزداد بالاستفادة من القوّة المعنوية .. وبهذا الدعم المهم ستقدرون على عمارة المجتمع وبناء حضارة كبيرة وأمّة مقتدرة تتمتع باقتصاد قوي وشعب حر مستقل ، فعلى هذا إيّاكم والابتعاد عن طريق الحق (وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ).
* * *
بحوث
١ ـ التوحيد أساس دعوة الأنبياء :
يبين تاريخ الأنبياء أنّهم بدأوا دعوتهم جميعا من التوحيد ونفي الشرك ونفي عبادة الأصنام أيّا كانت ، والواقع فإنّ أي إصلاح في المجتمعات الإنسانية لا يتيسر بغير هذه الدعوة ، لأنّ وحدة المجتمع والتعاون والإيثار كلها أمور تسترفد من منبع واحد وهو توحيد المعبود.
وأمّا الشرك فهو أساس كل فرقة وتعارض وتضاد وأنانية .. وما إلى ذلك .. وارتباط هذه المفاهيم بالشرك وعبادة الأصنام بالمفهوم الواسع غير خاف على
__________________
(١) «المدرار» كما وضحنا سابقا مشتق من «درّ» وهو انصباب حليب الأثداء ، ثمّ استعمل في انصباب المطر ، والطريق في الآية أنّها لا تعبر بـ «ينزل المطر من السماء» بل قالت : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) بمعنى أنّ المطر يهطل إلى درجة غزيرة حتى كأنّ السماء تهطل ، وملاحظة أنّ مدرارا صيغة مبالغة أيضا فيستفاد غاية التوكيد من هذه الجملة.