وأخيرا ـ كما سيأتي في سورة الذاريات والحاقة والقمر ـ غمرهم إعصار شديد لمدّة سبعة ليال وستة أيّام جسوما فأتى على قصورهم فدمّرها وعلى أجسادهم فجعلها كأوراق الخريف وفرقها تفريقا ، ولكن هود كان قد أبعد المؤمنين عن هؤلاء ونجّاهم من العذاب ، وأصبحت حياة أولئك القوم ومصيرهم درسا كبيرا وعبرة لكل الجبابرة والأنانيين (١).
٢ ـ اللعن الدائم الأبدي على «عاد» :
هذا التعبير وما شابهه ورد في آيات متعددة من القرآن الكريم في شأن أمم مختلفة ، حيث يقول الله سبحانه بعد ذكر أحوالهم ، كما في سورة هود الآية ٦٨ :(أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) وفي آية أخرى (٨٩) هود (أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) وفي سورة المؤمنون، الآية (٤١) (فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وفي آية أخرى (٤٤) المؤمنون (فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) وكما قرأنا في قصّة نوح من قبل في هود الآية (٤٤) (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
ففي جميع هذه الآيات جاء اللعن شعارا لمن أذنبوا ذنبا عظيما ، ويدور هذا اللعن مدار بعدهم عن رحمة الله.
وغالبا ما يطلق اليوم مثل هذا الشعار على المستعمرين والمستكبرين والظالمين ، غاية ما في الأمر أن هذا الشعار القرآني أخّاذ وطريف إلى درجة أنّه غير ناظر إلى بعد واحد فحسب. لأنّنا حين نقول مثلا : (بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فإنّ هذا التعبير يشمل الابتعاد عن رحمة الله ، والابتعاد عن السعادة ، وعن كل خير وبركة ونعمة ، وعن كونهم عبادا لله ، طبعا ابتعادهم عن الخير والسعادة هو انعكاس
__________________
(١) راجع تفسير الميزان ، تفسير مجمع البيان ، وكتاب أعلام القرآن.