بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) تربصوا غبطتنا وسعادتنا ونحن نتربص شقاءكم وسوء عاقبتكم.
* * *
بحوث
١ ـ المقادير وسعي الإنسان
ممّا لا شك فيه أن مآلنا وعاقبة أمرنا ـ بأيدينا ـ ما دام الأمر يدور في دائرة سعينا وجدّنا ، والقرآن الكريم يصرّح بهذا الشأن أيضا ، كقوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (١) ، وكقوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (٢) وفي آيات أخر. بالرغم من أنّ الجد والسعي هما من السنن الإلهيّة وبأمره تعالى أيضا.
إلّا أنّه عند خروج الأمر عن دائرة سعينا وجدّنا ، فإنّ يد القدر هي التي تتحكم بمآلنا وعاقبة أمرنا ، وما هو جار بمقتضى قانون العليّة الذي ينتهي إلى مشيئة الله وعلمه وحكمته وهو مقدّر علينا ، فهو ما سيكون ويقع حينئذ. غاية ما في الأمر أن المؤمنين بالله وعلمه وحكمته ولطفه ورحمته ، يفسّرون هذه المقادير بأنّها جارية وفقا «للنظام الأحسن» وما فيه مصلحة العباد ، وكلّ يبتلى بمقادير تناسبه حسب جدارته التي اكتسبها.
فالجماعة إذا كانوا من المنافقين الجبناء والكسالى والمتفرقين فهي محكومة بالفناء حتما. إلّا أنّ الجماعة المؤمنة الواعية المتّحدة المصمّمة ، ليس لها إلّا النصر والتوفيق مآلا.
فبناء على ذلك يتّضح أنّ الآيات آنفة الذكر لا تنافي أصل الحرية [حرية الإرادة والإختيار] وليست دليلا على العاقبة الجبرية للإنسان أو أن سعي الإنسان لا أثر له.
__________________
(١) سورة النّجم ، ٣٩.
(٢) المدثر ، ٣٨.