وأما البراءة النقليّة (١) فقضية إطلاق أدلتها (٢) (*)
______________________________________________________
الشرعية إلى المكلفين بمجيء شخص النبي أو الولي صلوات الله عليهما إلى دورهم لتبليغ الأحكام ، بل وصولها إليهم منحصر بالفحص عنها في مظانها وهي الطوامير الضابطة لها ، أو السؤال عن الحجج الذين أمرنا بالرجوع إليهم في أخذ الحلال والحرام.
وعليه فالعقل لا يحرز موضوع حكمه إلّا بالفحص ، وقبله شاك في الموضوع ، ومن المعلوم أنه لا يحكم مع هذا الشك ، كسائر الموارد. وأثره أن ترتب العقاب عليه منوط بأمرين : أحدهما : وجود الحجة واقعا ، والآخر إمكان العثور عليها بعد الفحص.
وهذا هو الحق دون الأولين ، إذ في أولهما : أن منجزية الاحتمال انما هي لرعاية الواقع ، فهو كسائر الطرق ان أصابت أنجزت الواقع ، وان أخطأت أعذرت المكلف ، ولو كان عليه مؤاخذة فهي على التجري لا على الواقع.
وفي ثانيهما : أنه يقبح المؤاخذة بعد الفحص ، لأنها تنافي العدل ، وقبل الفحص تحسن المؤاخذة ، للتجري.
فالمتحصل : أن البراءة العقلية لا تجري في الشبهات الحكمية سواء أكانت وجوبية أم تحريمية إلّا بعد الفحص عن الدليل واليأس عن الظفر به ، لأن موضوعها وهو عدم الدليل على الحكم لا يحرز إلّا بالفحص عنه الموجب للاطمئنان بعدمه.
(١) وهي المستندة إلى الأدلة الشرعية.
(٢) كأحاديث الرفع والحجب والسعة وغيرها المتقدمة في أصل البراءة ، حيث ان تلك الأدلة لم تقيد بالفحص ، فمقتضى إطلاقها عدم اعتباره في جريانها في الشبهات الحكمية ، كما هو حال البراءة النقليّة في الشبهات الموضوعية.
__________________
(*) لقائل أن يمنع إطلاق أدلتها خصوصا بعد إرادة الحجة من العلم الوارد