وان يمسخوا الوجه الواقعي ليوسف عليهالسلام بحيث بلغت الحال ان يصوروا «فيلما سينمائيا» وينشروه بصورة مبتذلة ... الّا انّ القرآن ـ وكلّ ما فيه أسوة وعبرة ـ عكس في ثنايا هذه القصّة اسمى دروس العفة وضبط النفس والتقوى والايمان ، حتى لو انّ إنسانا قراها عدة مرات فإنّه يتأثر ـ بدون اختيار ـ بأسلوبها الجذّاب في كل مرّة.
ولذا فقد عبّر القرآن عنها ب (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) وجعل فيها العبر للمعتبرين (أُولِي الْأَلْبابِ).
٣ ـ التدقيق في آيات هذه السورة يكشف هذه الحقيقة للإنسان ، وهي انّ القرآن معجز في جميع ابعاده ، لان الابطال الذين يقدمهم في قصصه ابطال حقيقيّون لا خياليّون ، وكل واحد في نفسه منهم منعدم النظير : فإبراهيم عليهالسلام : البطل الذي حطّم الأصنام بروحه العالية التي لا تقبل المساومة مع الطغاة.
ونوح عليهالسلام : بطل الصبر والاستقامة والشفقة والقلب المحترق في ذلك العمر الطويل المبارك.
وموسى عليهالسلام : البطل المربّي لقومه اللجوجين ، والذي وقف بوجه فرعون المتكبر الطاغي.
ويوسف عليهالسلام : بطل الورع والتقوى والطهارة ... امام امراة محتالة جميلة عاشقة.
بعد هذا كلّه تتجلّى القدرة البيانية للوحي القرآني بصورة تحيّر الإنسان ، لانّ هذه القصّة ـ كما نعرف ـ تنتهي في بعض مواردها الى مسائل العشق ودون ان يمسخها القرآن او يتجاوزها يتعرض الى الاحداث في مسرحها بدقة بحيث لا يحس السامع شيء غير مطلوب فيها. ويذكر القضايا بأجمعها في المتن ، ولكن تحفّها اشعة قوية من التقوى والطهارة.