٤ ـ قصّة يوسف قبل الإسلام وبعده
لا شكّ انّ قصّة يوسف كانت مشهورة ومعروفة بين الناس قبل الإسلام ، لانّها مذكورة في (١٤) فصلا من [سفر التكوين] في التوراة بين [الفصل ٣٧ ـ ٥٠] ذكرا مفصلا.
وبطبيعة الحال فإنّ المطالعة الدقيقة في هذه الفصول الاربعة عشر تكشف مدى الاختلاف بين ما جاء في التوراة وما جاء في القرآن.
وبالمقارنة بين نصّ التوراة ونصّ القرآن نجد انّ نصّ القصّة في القرآن في غاية الصدق وتخلو من اي خرافة.
وما يقوله القرآن للنّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) يشير الى قصّة يوسف التي عبّر عنها بأحسن القصص ، حيث لم يكن النّبي مطّلعا على حقيقتها الخالصة.
ويظهر من التوراة انّ يعقوب عليهالسلام لما راى قميص يوسف ملطخا بالدم قال : هذا قميص ولدي وقد اكله الحيوان المفترس ، فيوسف ممزق الأحشاء ثمّ خرّق يعقوب ثوبه وشدّ الحزام على ظهره وجلس ايّاما للبكاء والنواح على يوسف ، وقد عزّاه جميع ابنائه ذكورا وإناثا الّا انه امتنع ان يقبل تعزيتهم وقال : سأدفن في القبر حزنا على ولدي.
بيد انّ القرآن يبيّن : انّ يعقوب لم يصدّق ما قاله أولاده ، ولم يفزع ولم يجزع لمصيبة ولده يوسف ، بل ادّى ما عليه من سنّة الأنبياء من الصبر والتوكل على الله ، وقال لأبنائه : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) وان كان قلبه يحترق على فراق ولده وعيناه تدمعان من اجله حتى ابيضتا وعميتا ، ولكن ـ وكما يعبر القرآن ـ لم يقم بأي عمل من قبيل تخريق الثوب والنواح وشدّ الحزام على ظهره ـ والذي كان علامة للمصيبة و «العزاء» ـ وانّما قال : «صبر جميل» وكتم حزنه «فهو كظيم».