لكن هذا الموضوع ـ التعاون مع الظالم ـ من الأمور التي يقترب فيها حدود الحلال من الحرام ، وكثيرا ما يؤدّي تهاون صغير من الشخص المتصدّي الى وقوعه في اشراك النظام وارتكاب جريمة تعدّ من اكبر الجرائم وأفظعها ـ وهي التعاون مع الظالم ـ في حين يتصوّر انّه يقوم بعبادة وخدمة انسانية مشكورة.
وقد يستفيد بعض الانتهازيين من حياة (يوسف) او (علي بن يقطين) ويتّخذه ذريعة للتعاون مع الظالم وتغطية لاعمالهم الشريرة ، في حين انّه يوجد بون شاسع بين تصرّفاتهم وتصرّفات يوسف او علي بن يقطين (١).
هنا سؤال آخر يطرح نفسه وهو انّه كيف رضخ سلطان مصر الظالم لهذا الأمر ـ واستجاب لطلب يوسف ـ مع علمه بأنّ يوسف لا يسير بسيرة الظالمين والمستثمرين والمستعمرين ، بل يكون على العكس من ذلك معاديا لهم؟
الاجابة على هذا السؤال لا تكون صعبة مع ملاحظة امر واحد وهو انّه تارة تحيط الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بالظالم بحيث تزلزل اركان حكومته الظالمة ، فيرى الخطر محدقا بحكومته وبكلّ شيء يتعلّق بها ... في هذه الحالة وتجنّبا من السقوط التامّ لا يمانع ، بل يدعم قيام حكومة شعبية عادلة لكي يحافظ على حياته وبجزء من سلطته.
٢ ـ اهميّة المسائل الاقتصادية والادارية
رغم انّنا لا نتّفق مع الرؤية التي تنظر الى الأمور بمنظار واحد وتحصر جميع
__________________
(١) نطالع في روايات عديدة عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام انّ بعض الجاهلين بالمعايير الاسلامية كانوا يعترضون على الامام أحيانا ، بأنّه لماذا قبلت ولاية عهد المأمون مع كلّ زهدك في الدنيا واعراضك عنها؟ فكان الامام عليهالسلام يجيبهم : «يا هذا ايّما أفضل النّبي ام الوصي»؟ فقالوا : لا بل النّبي ، فقال : ايّهما أفضل مسلم ام مشرك»؟ فقالوا : لا بل مسلم فقال : «فإنّ العزيز عزيز مصر كان مشركا ، وكان يوسف عليهالسلام نبيّا ، وانّ المأمون مسلم» وانا وصي ، ويوسف سأل العزيز ان يولّيه حين قال : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) ، وانا أجبرت على ذلك» وسائل الشيعة ، ج ١٢ ، ص ١٤٦.