الاثنين ، اي بين الحروف المقطّعة والقرآن ، ولعلّ هذه العلاقة هي نفسها التي ذكرناها في بداية سورة البقرة ، فالله سبحانه وتعالى يريد ان يوضّح من خلال هذا البيان انّ هذا الكتاب السّماوي العظيم المتعهّد لقيادة الانسانيّة يتكوّن من مواد بسيطة تسمّى بحروف الالفباء ، وهذه تشير الى اهميّة هذا الاعجاز ، حيث يوجد اصدق بيان من ابسط بيان.
وعلى ايّة حال فبعد ذكر الحروف (الف لام راء) يقول تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ).
في الواقع انّ جميع الاهداف التربوية والانسانية ، المعنوية والمادية من نزول القرآن قد جمعت في هذه الجملة (الخروج من الظّلمات الى النّور) اي الخروج من ظلام الجهل الى نور المعرفة ، ومن ظلام الكفر الى نور الايمان ، من ظلم الظالمين الى نور العدالة ، ومن الفساد الى الصلاح ، ومن الذنوب الى الطهارة والتقوى ، ومن التفرقة والنفاق الى نور الوحدة.
ومن الطريف انّ «الظّلمات» هنا (كما في بعض السور الاخرى) جاءت بصيغة الجمع و «النّور» بصيغة المفرد ، وهذه اشارة الى انّ كلّ الحسنات والطيّبات والايمان والتقوى لها حالة واحدة في ظلّ التوحيد ونوره ، فهي مترابطة ومتّحدة فيما بينها ، فتصنع مجتمعا واحدا متّحدا وطاهرا من كلّ جهة.
بينما الظّلمات تعني التشتّت وتفرقة الصفوف ، وحتّى الطواغيت والمذنبين والمفسدين والمنحرفين في مسيرتهم الانحرافية نراهم غير متوحّدين غالبا ، وفي حالة حرب فيما بينهم.
ومن هنا لمّا كان مصدر كلّ الخير هي الذات الالهيّة المقدّسة ، والشرط الأساس لدرك التوحيد هو الالتفات الى هذه الحقيقة ، فإنّه يضيف بلا فاصلة (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ).