منها ، انّ هذا الكلام سواء كان على نحو الحقيقة والواقع ، ام كان على نحو الاستهزاء ، يدلّ على انّهم كانوا يرون تحديد التصرّف بالمال دليلا على عدم العقل والدارية.
في حين انّهم كانوا على خطأ كبير في تصورهم هذا ... إذ لو كان الناس أحرارا في التصرّف بأموالهم لعمّ المجتمع الفساد والشقاء ، فيجب ان تكون الأمور المالية تحت ضوابط صحيحة ومحسوبة كما عرضها الأنبياء على الناس ، والّا فستجرّ الحرية المطلقة المجتمع نحو الانحراف والفساد.
لم يكن هذا الشعار : (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ) شعار شعيب فحسب ، بل هو شعار جميع الأنبياء وكل القادة المخلصين ، وانّ اعمالهم وأقوالهم شواهد على هذا الهدف. فهم لم يأتوا لاشعار الناس ، ولا لغفران الذنوب ، ولا لبيع الجنّة ، ولا لحماية الأقوياء وتخدير الضعفاء من الناس ، بل كان هدفهم الإصلاح بالمعنى المطلق والوسيع للكلمة ... الإصلاح في الفكر ، الإصلاح في الأخلاق ، الإصلاح في النظم الثقافية والاقتصادية والسياسيّة للمجتمع ، والإصلاح في جميع ابعاد المجتمع.
وكان اعتمادهم ودعامتهم على تحقق هذا الهدف هو الله فحسب ولهذا لم يخافوا من التهديدات والمؤامرات كما قال شعيب (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).
* * *