الظلم عقابه ومجازاته ، او يقولوا انه لم يستطع ان لا يرتكب هذا العمل لانّ الله أراد ذلك ، او انّ المحيط أجبره ، او الطبيعة ... وهذا بنفسه دليل آخر على انّ اصل الاختيار فطري.
وعلى كل حال لا نجد للجبر مسلكا في اعمالنا اليومية يرتبط بهذه العقيدة ، بل اعمال الناس جميعا تصدر عنهم بصورة حرّة ومختارة وهم مسئولون عنها.
وجميع الأقوام في الدنيا يقبلون حرية الارادة ، بدليل تشكيل المحاكم والادارات القضائية لمحاكمة المتخلفين.
وجميع المؤسسات التربوية في العالم تقبل بهذا الأصل ضمنا ، وهو انّ الإنسان يعمل بإرادته ورغبته ، ويمكن بإرشاده وتعليمه وتربيته ان يتجنب الاخطاء والاشتباهات والأفكار المنحرفة.
الطريف انّ لفظ «شقوا» في الآيات المتقدمة ورد بصيغة المبني للمعلوم ، ولفظ «سعدوا» (١) ورد بصيغة المبني للمجهول ، ولعل في هذا الاختلاف في التعبير اشارة لطيفة الى هذه المسألة الدقيقة ، وهي انّ الإنسان يطوي طريق الشقاء بخطاه ، ولكن لا بدّ لطيّ طريق السعادة في الأمداد والعون الالهي ، والّا فإنّه لا يوفّق في مسيره ، ولا شكّ انّ هذا الأمداد والعون يشمل أولئك الذين يخطون خطواتهم الاولى بإرادتهم واختيارهم فحسب وكانت فيهم اللياقة والجدارة لهذا الأمداد. (فلاحظوا بدقة).
__________________
(١) «سعدوا» من مادة (سعد) وحسب رأي اصحاب اللغة فإنّ هذا الفعل لازم ولا يتعدّى الى مفعول ، فعلى هذا ليست له صيغة للمجهول ، فاضطروا ان يقولوا : انّه مخفّف من (اسعدوا) وبابه (الأفعال) ولكن كما ينقل الآلوسي في كتاب روح المعاني في شرح الآية عن بعض اهل اللغة ، انّ الفعل الثلاثي من «سعد» يتعدّى الى المفعول ايضا ـ قالوا : سعده الله وهو مسعود ، فعلى هذا لا حاجة الى ان نقول بأنّ (سعدوا) مخفف من «اسعدوا» «فتدبّر».