٣ ـ العبادة والتكامل
وكما هو معلوم فإنّ الإنسان قد بدأ انطلاقته في الحياة من نقطة العدم ولا يزال يسير نحو المطلق ، ولن تتوقف عجلة تكامله (ما دام مداوما على الطريق) كما أنّه يمتلك مقومات السير ويمتاز بقابلية فائقة واستعداد كامل في طلبه للتكامل ، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى ـ تعتبر العبادة مدرسة عالية للتربية ، لأنّها توقظ عقل الإنسان ، وتوجه فكره نحو المطلق ، وتغسل غبار الذنوب والغفلة من قلبه وروحه ، وتنمي فيه الصفات الإنسانية الرفيعة ، وتقوي إيمانه وتجعله أكثر وعيا واكبر مسئولية.
فلا يمكن للإنسان الواقعي أن يستغني عن هذه المدرسة الراقية ، أمّا الذين يعتقدون بأنّ الإنسان قد يصل إلى درجة معينة لا يحتاج عندها إلى العبادة ، فأولئك إمّا أنّهم يعتبرون عملية تكامل الإنسان محدودة وتنتهي بحدّ معين ، أو أنّهم لم يدركوا معنى العبادة حقّا.
وللعلّامة الطّباطبائي رحمهالله في تفسير الميزان بيان بهذا الشأن ، إليك ملخصه ، (إن كل نوع من أنواع الموجودات له غاية كمالية ، وكذلك الإنسان له غاية تكاملية لا ينالها إلّا بالاجتماع المدني ، ولهذا فهو اجتماعي بالطبع ، وإن تحقق هذا الاجتماع فسيحتاج أفراد المجتمع إلى أحكام وقوانين ينتظم باحترامها والعمل بها شتات أمورهم ، وترتفع بهذا اختلافاتهم الضرورية ، ويقف بها كل منهم في موقفه الذي ينبغي له ، ويحوز بها سعادته وكماله الوجودية.
وبعبارة أخرى : إن كان المجتمع الإنساني صالحا أمكن لأفراده الوصول إلى هدفهم النهائي في الكمال ، وإن فسد المجتمع تخلف أفراده عن هذا التكامل.
وإنّ هذه الأحكام والقوانين سواء كانت اجتماعية أو عبادية ، لا تكون مؤثرة إلّا إذا أخذت من طريق النّبوة والوحي السماوي لا غير.