تارة أخرى ، فمن لا تنفعه البشارة يأتيه الإنذار وهكذا ، كل ذلك إتماما للحجة عليهم.
صحيح أنّ المصلحة الموجبة للتربية الربانية تقتضي (بعلم ربّ الأرباب) أن يمهل ولكنّه سبحانه لا يهمل ، وعاجلا أم آجلا سينال كلّ نصيبه بما كسبت يداه.
من الآيتين الأخيرتين ، تتّضح لنا فلسفة تكرار آيات القرآن لذكر تأريخ الأمم السابقة.
أفلا تكفينا قصص السابقين عبرة لإصلاح أنفسنا والرجوع إلى الله تعالى؟ بل كيف نسترخي بالقعود حتى يقدّر علينا ما كتب على الذين ضلوا وظلموا من قبلنا؟ اذن وعلينا الإعتبار ، وإلّا فسنكون عبرة لمن سيأتي بعدنا.
* * *
ملاحظة :
الغفلة وطول الأمل
ممّا لا شك فيه أن الأمل بمثابة العامل المحرك لعجلة حياة الإنسان ، فلو ارتفع الأمل يوما من قلوب الناس لارتبكت مسيرة الحياة ولا تجد إلّا القليل ممن يجد في نفسه دافعا لمواجهة صراع الحياة معه ، والحديث النبوي الشريف : «الأمل رحمة لأمتي ، ولو لا الأمل ما رضعت والدة ولدها ، ولا غرس غارس شجرا» (١) يشير لهذه الحقيقة.
وإذا ما تجاوز الأمل حده المعقول فإنّه سيتحول إلى (طول أمل) وهو ما ينذر بالانحراف والهلاك ، ومثله كمثل ماء المطر الذي يمثل عامل الحياة الفياض للأرض والنبات والحيوان ، فلو زاد عن حدّ الحاجة إليه ، أصبح عاملا للغرق
__________________
(١) سفينة البحار ، ج ١ ، ٣٠ (أمل).