الإطالة بيان السبب العلمي الدقيق وراء ذكر هذه الفواكه في الآية المشار إليها ، ولعل أكثر ما ذكر من فوائد كان خافيا على أهل زمان نزول الآية.
٣ ـ التفكر والتعقل والتذكر :
رأينا في الآيات المبحوثة أنّ القرآن دعا الناس بعد ذكر ثلاثة أقسام من النعم الإلهية إلى التأمل في ذلك ، فقال في المورد الأوّل : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ، وفي المورد الثّاني : (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وفي الثّالث : (لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ).
إن الاختلاف الوارد ليس للتصوير الفني في عبارات القرآن ، لأن المعروف عن الأسلوب القرآني إشارته لكل معنى برمز خاص.
ولعل المقصود من ذلك أنّ النعم الإلهية الموجودة في الأرض من الوضوح ما يكفي معها التذكر.
أمّا فيما يخص الزراعة والزيتون والنخيل والأعناب والفاكهة فتحتاج إلى تركيز الفكر لمعرفة خواصها الغذائية والعلاجية ، ولهذا ورد التعبير بالتفكر فيها.
وأمّا تسخير الشمس والقمر والليل والنهار والنجوم فيحتاج إلى تفكير أشد وأعمق من الحالة الأولى ، فورد التعبير بالتعقل.
وعلى أية حال ، فالقرآن ـ دوما ـ يخاطب العلماء والمفكرين والعقلاء ، بالرغم من أنّ المحيط الذي نزل فيه كان متخوما بالجهل ، ومن هنا تتضح لنا عظمة عبارات القرآن بشكل جلي.
والقرآن بما يحمله يمثل ضربة قاصمة لضيقي الأفق من الذين رفضوا الأديان كلها لأنّهم اصطدموا بوجود أديان خرافية ، وعلى أساسها الهش بنوا بنيانهم المهزوز على اعتبار أنّ الدين معطل للعقل والعلم وأنّ الإيمان بالله عزوجل ناتج عن جهل الإنسان وضعفه!!