وبعبارة مختصرة تجيب الآية على كل أبعاد السؤال ، فالله عزوجل «يعلم غيب السماوات والأرض» فهو حاضر في كل زمان ومكان ، وعليه فلا يخفى عليه شيء أبدا ، ولا مفهوم لقولهم إطلاقا ، وكل شيء يعلمه تعالى شهودا ، وأمّا تلك العبارات والأحوال فإنّما تناسب وجودنا الناقص لا غير.
ثمّ يضيف قائلا : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) (١).
وهذا المقطع القرآني يشير إلى رد إشكال آخر كان يطرحه منكر والمعاد بقولهم : من له القدرة على المعاد ومن يتمكن من انجاز هذا الأمر العسير؟!
فيجيبهم القرآن ، بأن هذا الأمر يبدو لكم صعبا لأنّكم ضعفاء ، أمّا لصاحب القدرة المطلقة فهو من السهولة والسرعة بحيث يكون أسرع ممّا تتصورون ، وإن هو (إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ) منكم.
وبعد أن شبّه قيام الساعة بلمح البصر ، قال : (أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) ، أي : إنّ التشبيه بلمح البصر جاء لضيق العبارة واللغة ، وإنّما هو من السرعة بما لا يلحظ فيه الزمان أساسا ، وما ذلك الوصف إلّا لتقريبه لأذهانكم من حيث أنّ لمح البصر هو أقصر زمان في منطقكم.
وعلى أيّة حال ، فالعبارتان إشارة حيّة لقدرة الله عزوجل المطلقة ، وبخصوص مسألتي المعاد والقيامة ، ولهذا يقول الباري في ذيل الآية : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
* * *
بحوث
١ ـ الإنسان بين الحرية والأسر
__________________
(١) لمح : (على وزن مسح) بمعنى ظهور البرق ، ثمّ جاءت بمعنى النظر السريع ، وينبغي الانتباه إلى أنّ «أو» هنا بمعنى (بل).