وهي طائرة! وقد تستغرق بعض رحلاتها عدّة أسابيع دون توقف ليل نهار وبدون أن يتخلل تلك المدّة أية فترة لتناول الطعام! حيث أنّها تناولت الطعام الكافي قبل بدءها حركة الرحيل (بإلهام داخلي) ويتحول ذلك الطعام إلى دهون تدخرها في أطراف بدنها!
وثمّة أسرار كثيرة تتعلق في : بناء الطير لعشه ، تربية أفراخه ، كيفية التحصن من الأعداء ، كيفية تحصيل الغذاء اللازم ، تعاون الطيور فيما بينها بل ومع غير جنسها أيضا ...إلخ ، ولكل ممّا ذكر قصّة طويلة.
نعم ، وكما تقول الآية المباركة : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
٢ ـ ترابط الآيات :
لا شك أنّ هناك ترابطا بين الآية أعلاه والتي تتحدث عن كيفية طيران الطيور وما قبلها من الآيات يتمثل في الحديث عن نعم الله عزوجل في عالم الخليقة ، وعن أبعاد عظمته وقدرته سبحانه وتعالى ، ولكن لا يبعد أن يكون ذكر تحليق الطيور بعد ذكر آلات المعرفة يحمل بين طياته إشارة لطيفة في تشبيه تحليق هذه الطيور في العالم المحسوس بتحليق الأفكار في العالم غير المحسوس ، فكلّ منها يحلق في فضائه الخاص وبما لديه من آلات.
يقول الإمام علي عليهالسلام في خطبته الشقشقية : «ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير».
وكذا في كلماته عليهالسلام القصار في بيان فضيلة مالك الأشتر رحمهالله ، ذلك القائد الشجاع: «لا يرتقيه الحافر ، ولا يوفي عليه الطائر» (١).
وعدّ في هذه السورة خمسين نعمة كلها تدعو إلى معرفة الله جل وعلا وتدفع
__________________
(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، رقم ٤٤٣.