العلنية ، و «البغي» : إشارة إلى كل تجاوز عن حق الإنسان ، وظلم الآخرين والاستعلاء عليهم.
قال بعض المفسّرون (١) : إنّ منشأ الانحرافات الأخلاقية ثلاث قوى : القوّة الشهوانية، القوّة الغضبية ، والقوة الوهمية الشيطانية.
أمّا القوّة الشهوانية فإنما ترغّب في تحصيل اللذائذ الشهوانية والغرق في الفحشاء ، والقوة الغضبية تدفع الإنسان إلى فعل المنكرات وإيذاء سائر الناس ، وأمّا القوّة الوهمية الشيطانية فتوجد في الإنسان الاستعلاء على الناس والترفع وحبّ الرياسة والتقدم والتعدي على حقوق الآخرين.
وأشار الباري سبحانه في المصطلحات الثلاثة أعلاه إلى طغيان غرائز الإنسان ، ودعا إلى طريق الحق والهداية ببيان جامع لكل الانحرافات الأخلاقية.
وفي آخر الآية المباركة يأتي التأكيد مجددا على أهمية هذه الأصول الستة : (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
أشمل آيات الخير والشر :
إنّ محتوى هذه الآية المباركة له من قوّة التأثير ما جعل كثيرا من الناس يصبحون مسلمين على بيّنة من أمرهم ، وها هو «عثمان بن مظعون» أحد أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث قال : (كنت أسلمت استحياء من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لكثرة ما كان يعرض عليّ الإسلام ، ولم يقر الإسلام في قلبي ، فكنت ذات يوم عنده حال تأمله ، فشخص بصره نحو السماء كأنّه يستفهم شيئا ، فلمّا سرّي عنه سألته عن حاله فقال : نعم ، بيّنا أنا أحدثك إذ رأيت جبرائيل في الهواء فأتاني بهذه الآية (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) وقرأها عليّ إلى آخرها ، فقّر الإسلام في قلبي. وأتيت
__________________
(١) التّفسير الكبير للفخر الرازي ، ج ٢٠ ، ص ١٠٤.