وباستعمال صيغة القسم ، وما يؤكّد ذلك ما تبعها من عبارة تفسيرية تأكيدية (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً).
ونتيجة القول : أنّ جملة (أَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ) خاصّة ، وجملة (لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ) عامّة.
وحيث أنّ الوفاء بالعهد أهم الأسس في ثبات أيّ مجتمع كان ، تواصل الآية التالية ذكره بأسلوب يتسم بنوع من اللوم والتوبيخ ، فتقول : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) (١).
والآية تشير إلى (رابطة) تلك المرأة التي عاشت في قريش زمن الجاهلية ، وكانت هي وعاملاتها يعملن من الصباح حتى منتصف النهار في غزل ما عندهن من الصوف والشعر ، وبعد أن ينتهين من عملهن تأمرهن بنقض ما غزلن ، ولهذا عرفت بين قومها ب (الحمقاء).
فما كانت تقوم به (رابطة) لا يمثل عملا بالا ثمر ـ فحسب ـ بل هو الحماقة بعينها ، وكذا الحال بالنسبة لمن يبرم عهدا مع الله وباسمه ، ثمّ يعمل على نقضه ، فهو ليس بعابث فقط ، وإنّما هو دليل على انحطاطه وسقوط شخصيته.
ثمّ يضيف القرآن الكريم قائلا : (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) (٢) ، أي لا تنقضوا عهودكم مع الله بسبب أنّ تلك المجموعة أكبر من هذه فتقعوا في الخيانة الفساد.
وهذا دليل على ضعف شخصية الفرد ، أو نفاقه وخيانته حينما يرى كثرة أتباع
__________________
(١) «أنكاث» : جمع (نكث) على وزن (قسط) بمعنى حل خيوطه الصوف والشعر بعد برمها ، وتطلق أيضا على اللباس الذي يصنع من الصوف والشعر ، وأمّا محل إعرابها في الآية فهو (حال) للتأكيد على قول البعض ، فيما اعتبرها آخرون (مفعولا ثانيا) لفعل «نقضت» أي (جعلت غزلها أنكاثا).
(٢) «الدّخل» : (على وزن الدغل) ، بمعنى الفساد والتقلب ومنها أخذ معنى (الداخل) ، وينبغي الالتفات إلى أنّ جملة (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ) ـ على ما قلناه من تفسير ـ جملة حاليّة ، إلّا أنّ بعض المفسّرين اعتبرها جملة استفهامية ، والتّفسير الأوّل يوافق ظاهر الآية.