بحثان
١ ـ فلسفة احترام العهد
كما هو معلوم فإنّ الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع تمثل أهم دعائم رسوخ المجتمع ، بل من دعائم تشكيل المجتمع وإخراجه من حالة الآحاد المتفرقة وإعطائه صفة التجمع ، وبالإضافة لكون أصل الثقة المتبادلة يعتبر السند القويم للقيام بالفعاليات الاجتماعية والتعاون على مستوى واسع.
والعهد والقسم من مؤكدات حفظ هذا الارتباط وهذه الثقة ، وإذا تصورنا مجتمعا كان نقض العهد فيه هو السائد ، فمعنى ذلك انعدام الثقة بشكل عام في ذلك المجتمع ، وعندها سوف يتحول المجتمع الى آحاد متناثرة تفتقد الارتباط والقدرة والفاعلية الاجتماعية.
ولهذا نجد أنّ الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة تؤكّد باهتمام بالغ على مسألة الوفاء بالعهد والأيمان ، وتعتبر نقضها من كبائر الذنوب.
وقد أشار أمير المؤمنين عليهالسلام إلى أهمية هذا الموضوع في الإسلام والجاهلية واعتبره من أهم المواضيع في قوله عند عهده لمالك الأشتر «فإنّه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعا من تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم ، من تعظيم الوفاء بالعهود ، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر» (١).
ونجد في أحكام الحرب الإسلامية أنّ إعطاه الأمان من قبل فرد واحد من جيش المسلمين لشخص أو كتيبة من كتائب العدو يوجب مراعاة ذلك على كل المسلمين!
يقول المؤرخون والمفسّرون : من جملة الأمور التي جعلت الكثير من الناس
__________________
(١) نهج البلاغة ، الرسالة ٥٣.