التّفسير
ثمن الحياة الطيبة :
جاءت الآية الأولى من هذه الآيات لتؤكّد على قبح نقض العهد مرّة أخرى ولتبيّن عذرا آخرا من أعذار نقض العهد الواهية ، فحيث تطرقت الآيات السابقة إلى عذر الخوف من كثرة الأعداء تأتي هذه الآية لتطرح ما للمصلحة الشخصية (المادية) من أثر سلبي على حياة الإنسان.
ولهذا تقول : (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً).
أي إنّ قيمة الوفاء بعهد الله لا تدانيها قيمة ، ولو استلمتم زمام ملك الدنيا بأسرها فإنّه لا يساوي قيمة لحظة واحدة من الوفاء بعهد الله.
وتضيف الآية المباركة للدلالة على هذا الأمر : (إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
ويبيّن القرآن في الآية التالية سبب الأفضلية بقوله : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) لأنّ المنافع المادية وإن بدت كبيرة في الظاهرة ، إلّا أنّها لا تعدو أن تكون فقاعات على سطح ماء ، في حين أنّ الجزاء والثواب الإلهي النابع من ذات الله المطلقة المقدسة أعلى وأفضل من كل شيء.
ثمّ يضيف قائلا : (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ) ـ وعلى الأخص في الثبات على العهد والأيمان ـ (بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ).
إنّ التعبير بـ «أحسن» دليل على أنّ أعمالهم الحسنة ليست بدرجة واحدة ، فبعضها حسن والبعض الآخر أحسن ، ولكنّ الله تعالى يجزي الجميع بأحسن ما كانوا يعملون ، وهو ذروة اللطف والرحمة الربانية ، كما لو مثلنا لذلك في مثل من حياتنا كأن يعرض بائع أنواعا من البضائع المتفاوتة في النوعية ، فقسم منها بضائع جيدة ، وقسم آخر بضائع رديئة ، والبقية بين الإثنين ، فيأتي مشتري ليأخذ الجميع بسعر النوعية الجيدة!