ونلاحظ ذكر صفة طرد الشيطان من دون جميع صفاته ، للتذكير بتكبّره على أمر الله حين أمره بالسجود والخضوع لآدم ، وإنّ ذلك التكبّر الذي دخل الشيطان بات بمثابة حجاب بينه وبين إدراك الحقائق ، حتى سولت له نفسه أن يعتقد بأفضليته على آدم وقال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).
فكان ذلك العناد والغرور سببا لتمرده على أمر الله عزوجل ممّا أدى لكفره ومن ثمّ طرده من الجنّة.
وكأنّ القرآن الكريم يريد أن يفهمنا باستخدامه كلمة «الرجيم» بضرورة الاحتياط والحذر من الوقوع في حالة التكبّر والغرور والتعصب عند تلاوة آيات الله الحكيم ، لكي لا نقع بما وقع به الشيطان من قبل ، فنهوى في وحل الكفر بدلا من إدراك وفهم الحقائق القرآنية.
٣ ـ بين لوائي الحقّ والباطل
قسمت الآيات أعلاه الناس إلى قسمين : قسم يرزح تحت سلطة الشيطان وقسم خارج عن هذه السلطة ، وبيّنت صفتين لكلّ من هذين القسمين :
فالذين هم خارج سلطة الشيطان : مؤمنون ومتوكلون على الله عزوجل ، أي أنّهم من الناحية الاعتقادية عباد لله ، ومن الناحية العملية يعيشون مستقلين عن كل شيء سوى الله، ويتوكلون عليه لا على البشر أو على الأهواء والتعصبات.
أمّا الذين يرزحون تحت سلطة الشيطان ، فقائدهم الشيطان (يَتَوَلَّوْنَهُ) وهو مشركون ، لأنّ أعمالهم تشير إلى تبعيتهم للشيطان وأوامره كشريك لله جل وعلا.
وثمة من يسعى لأن يكون من القسم الأوّل ، ولكنّ ابتعاده عن المربّين الإلهيين ، أو الضياع في محيط فاسد ، أو أيّ أسباب أخرى ، تؤدي الى سقوطه في وحل القسم الثّاني.
وعلى أيّة حال ، فالآية تؤكّد حقيقة أنّ سلطة الشيطان ليست إجبارية على