الثّانية : تحمّل الإنسان لتبعات أعماله :
الآيات الآنفة تشير إلى قاعدة مهمّة ، وهي أنّ أعمال الإنسان سواء كانت حسنة أم قبيحة فإنّ مردودها يعود إليه ، صحيح أنّ الآيات تتحدّث عن بني إسرائيل ، ولكن القاعدة من الشمول والعموم بحيث تشمل كافة البشر على مر التاريخ (١).
إنّ الحياة والتاريخ يعكسان لنا الكثير من تلك النماذج التي أسست أعمالا وسننا سيئة ، وسنّت قوانين ظالمة ومبتدعة ، ولكنّها في النهاية ، كانت ضحية ما سنّت وابتدعت وأسست ، وكانت نهايتها ونهاية من يلوذ بها الوقوع في نفس الحفرة التي حفرتها للآخرين ، وبذلك نالت جزاءها بما اقترفت أيديها. إنّ خصوصية هذا الأمر تتّضح أكثر بالنسبة لأعمال الفساد وعلى الأخص العلو والاستكبار ، فإنّ الإنسان لا بدّ وأن يذوق في هذه الدنيا جزاء ما اقترف من أسباب العلو والاستكبار والإفساد.
ولهذا السبب بالذات رأينا أنّ بني إسرائيل لاقوا جزاءهم السريع في الدنيا ، من دون أن يعني ذلك انتفاء العقاب الأخروي إذ عاشوا طويلا واقع الشتات والتشرّد ، وذاقوا الكثير من السوء والمصائب. إنّنا اليوم نعيش مظاهر من فساد بني إسرائيل وعلوهم وطغيانهم ، فهم قد اغتصبوا أرض الآخرين وطردوهم منها ، وأذاقوا أهلها ألوان القتل والبطش والإرهاب ، وروعوا الأبناء وسبوا النساء ، بل لم يحترموا حتى بيوت الله في بيت المقدس!
إنّ هؤلاء يتعاملون مع العالم بدون رعاية أي شكل من أشكال القانون أو
__________________
(١) نقرأ في الآية : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) بينما كان ينبغي أن يكون التعبير «عليها» لأنّ الإساءة لا تكون في فائدة ونفع الإنسان بل هي في ضرره! إنّ السبب في ذلك يعود إلى ضروريات التنسيق بين قسمي الجملة ، أو قد يكون ذلك بسبب أنّ اللام هنا استخدمت بمعنى التخصيص لا بمعنى النفع والضرر. بعض المفسّرين احتمل أيضا أن تكون اللام بمعنى «إلى».