التأمّل والهدوء ويدعو إلى محاذرة التعجّل والتسرّع.
الآية تقول أوّلا : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) ثمّ : (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً). ولنا في ذلك هدفان : الأوّل : (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) حيث تنطلقون نهارا في الكسب والعمل والمعاش مستثمرين العطايا الإلهية ، وتنعمون ليلا بالراحة والهدوء والاستقرار. والهدف الثّاني فهو : (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) لكي لا تبقى شبهة لأحد (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً).
بين المفسّرين كلام كثير حول المقصود من «آية الليل» و «آية النهار» وفيما إذا كان ذلك كناية عن نفس الليل والنهار ، أم أنّ المقصود من «آية الليل» القمر ، ومن «آية النهار» الشمس (١).
ولكن التدقيق في الآية يكشف عن رجاحة التّفسير الأوّل ، خصوصا وأنّ المقصود من قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) هو أنّ كل واحد منهما علامة على إثبات وجود الله ، أمّا محو آية الليل فهو تمزيق ظلمة الليل وحجب الظلمة فيه بواسطة نور النهار ، الذي يكشف ما كان مستورا بظلمة الليل.
وإذا كانت آيات أخرى في القرآن [آية (٥) من سورة يونس] تفيد أنّ الغاية من خلق الشمس والقمر هو تنظيم الحساب إلى سنين وأشهر ، فليس ثمّة تنافي بين الآيتين ، إذ من الممكن أن تنتظم حياة الإنسان وحسابه على أساس الليل والنهار ، وعلى أساس الشمس والقمر من دون أي تناف بين الإثنين.
في نهج البلاغة نقرأ للإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، قوله : «وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها ، وقمرها آية ممحوة من ليلها ، وأجراهما في مناقل مجراهما ، وقدّر سيرهما في مدارج درجهما ، ليميز بين الليل والنهار بهما ، وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما» (٢).
__________________
(١) في الحالة الأولى تكون الإضافة «إضافية بيانية» أما في الثّالثة فتكون الإضافة «إضافة اختصاصية».
(٢) نهج البلاغة ، خطبة الأشباح ، رقم (٩١).