وتجعلها في سياق واحد ، فستكون أمامنا مجموعة كبيرة منها.
ولكن ، وبرغم الأهمية الكبرى التي تختص بها النعم المادية ، فإنّ القرآن الكريم استخدم تعابير أخرى تحقّرها وتحطّ منها بقوة ، إذ نقرأ في سورة النساء ، آية (٩٤) ، قوله تعالى : (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) وفي مكان آخر نقرأ قوله تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) (١). وفي سورة العنكبوت آية (٦٤) ، نقرأ (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) أمّا في الآية (٣٧) من سورة النّور ، فإنا نلتقي مع قوله تعالى : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ).
هذه المعاني المزدوجة إزاء النعم والمواهب المادية ، يمكن ملاحظتها أيضا في الأحاديث والرّوايات الإسلامية ، فالدنيا في وصف لأمير المؤمنين علي عليهالسلام هي «مسجد أحباء الله ، ومصلى ملائكة الله ، ومهبط وحي الله ، ومتجر أولياء الله» (٢).
وفي جانب آخر ، نرى أنّ الأحاديث والرّوايات الإسلامية تعتبر الدنيا دار الغفلة والغرور ، وما شابه ذلك.
والسؤال هنا : هل تتعارض هذه المجاميع من الآيات والرّوايات فيما بينها؟
في الواقع ، عند ما تلام الدنيا ، فإنّ اللوم ينصب على أولئك الناس الذين لا هدف لهم ولا همّ سواها. من هنا نقرأ في الآية (٢٩) من سورة النجم قوله تعالى : (وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا). وبعبارة أخرى : فإنّ الذم الذي يرد للدنيا يقصد به الأشخاص الذين باعوا آخرتهم بدنياهم. ولا يتناهون عن أي منكر وجريمة في سبيل الوصول إلى أهدافهم المادية ، وفي هذا السياق نقرأ في الآية (٣٨) من سورة التوبة : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ).
ثمّ إنّ الآيات التي نبحثها تشهد على ما نقول ، إذ أنّ قوله تعالى : (مَنْ كانَ
__________________
(١) الحديد ، ٢٠.
(٢) نهج البلاغة ، باب الكلمات القصار ، جملة رقم ١٣١.