شكل من إشكال المحبّة واللطف ولا تؤذيهما أو تجرح عواطفهما بأقل إهانة حتى بكلمة «أف» : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما) (١) بل : (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) وكن أمامهما في غاية التواضع (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ، وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً).
الأهمية الاستثنائية لاحترام الوالدين :
إنّ الآيتين السابقتين توضحان جانبا من التعامل الأخلاقي الدقيق ، والاحترام الذي ينبغي أن يؤدّيه الأبناء للوالدين :
١ ـ من جانب أشارت الآية إلى فترة الشيخوخة ، وحاجة الوالدين في هذه الفترة إلى المحبّة والاحترام أكثر من أي فترة سابقة ، إذ الآية تقول : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ). من الممكن أن يصل الوالدان إلى مرحلة يكونان فيها غير قادرين على الحركة دون مساعدة الآخرين ، وقد لا يستطيعون بسبب الكهولة رفع الخبائث عنهم ، وهنا يبدأ الاختبار العظيم للأبناء ، فهل يعتبرون وجود مثل هذين الوالدين دليل الرحمة ، أو أنّهم يحسبون ذلك بلاء ومصيبة وعذابا .. هل عندهم الصبر الكافي لاحترام مثل هؤلاء الآباء والأمهات ، أم أنّهم يوجهون الإهانات ويسيئون الأدب لهم ، ويتمنون موتهم؟!
٢ ـ من جانب آخر .. تقول الآية : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) بمعنى لا تظهر عدم ارتياحك أو تنفرك منهم (وَلا تَنْهَرْهُما) ثمّ تؤكّد مرّة أخرى على ضرورة التحدّث معهم بالقول الكريم ، إذ اللسان مفتاح إلى القلب (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً).
٣ ـ من جانب ثالث تأمر الآية بالتواضع لهم ، هذا التواضع الذي يكون علامة
__________________
(١) هناك قولان حول «إما» في جملة «إما يبلغنّ» فالفخر الرازي في تفسيره يذهب إلى أنّها مركّبة من «إن» الشرطية و «ما» الشرطية ، وهي بذلك تفيد التأكيد. أما البعض الآخر كصاحب «الميزان» مثلا ، فيرى أنّها مركبة من «إن» الشرطية و «ما» الزائدة ، التي جاءت هنا لتسمع لـ «إن» الشرطية بالدخول على الفعل المؤكد بنون التأكيد.