وإسراف وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة ، ويكرمه في الناس ويهينه عند الله».
وفي الآيات التي بحثناها رأينا أن الإسلام بحيث كثيرا على عدم الإسراف والتبذير إلى درجة أنّه نهى عن الإسراف في ماء الوضوء حتى إذا كان ذلك قرب نهر جار ، وحتى في نوى التمر. وعالم اليوم الذي بدأ يتحسّس الضائقة في بعض الموارد. أخذ يهتم بهذه الفكرة ، حتى بات يستفيد من كلّ شيء ، فهو مثلا يستفيد من فضولات المنازل في صنع السماد ، ومن ماء المجاري لسقي المزروعات ، لأنّه أحسّ أنّ المصادر الطبيعية محدودة ، لذا لا يمكن التفريط بها بسهولة ، وإنّما ينبغي الاستفادة منها ضمن ما يعرف بـ «دورة المصادر الطبيعية».
رابعا : هل ثمّة تعارض بين الاعتدال في الإنفاق والإيثار؟
مع الأخذ ـ بنظر الإعتبار ـ الآيات أعلاه والتي تؤكّد ضرورة الاعتدال في الإنفاق، يثار سؤال مؤدّاه ، إنّ في سورة الدهر مثلا ، وآيات أخرى ، وفي مجموعة من الأحاديث والرّوايات ، ثمّة إشادة بالمؤثرين الذين يؤثرون غيرهم على أنفسهم في أحلك الساعات وأشدّ الظروف ويعطون ما يملكون للآخرين ، فكيف يا ترى نوفّق بين هذين المفهومين؟
إنّ الدقة في سبب نزول هذه الآيات مع قرائن أخرى تفيدنا في الوقوف على جواب هذا السؤال ، إذ يكون الأمر بمراعاة الاعتدال في المجالات التي يكون فيها العطاء والهبات الكثيرة سببا لاضطراب الإنسان في حياته أو بمصطلح القرآن يصبح فيها (مَلُوماً مَحْسُوراً) وكذلك إذا كان الإيثار سببا في التضييق على أبنائه أو أنّه يهدّد تركيبة عائلته. وإذا لم يقع أي من هذين المحذورين ، فإنّ الإيثار يعتبر أفضل السبل ، نضيف إلى ذلك أنّ الاعتدال في الإنفاق يعتبر حكما عاما ، بينما الإيثار يعتبر حكما خاصا يرتبط بمصاديق خاصّة ، وليس ثمّة تضاد بين الاثنين.
* * *